التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً
٣
وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً
٤
وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً
٥
وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً
٦
وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً
٧
وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً
٨
-الجن

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَأَنَّهُ تَعَـٰلَىٰ جَدُّ رَبّنَا } بالفتحِ قالُوا هُوَ وما بعدَهُ من الجمل المصدّرةِ بأنَّ فِي أحدَ عشرَ موضعاً عطفٌ عَلى محلِّ الجارِّ والمجرورِ في فآمنا به كأنَّه قيلَ: فصدقناهُ وصدقنا أنَّه تعالَى جَدُّ ربِنا أي ارتفعَ عظمتُه، منْ جَدَّ فلانٌ في عَينْي أيْ عظُم تمكنُّهُ أو سلطانُهُ أو غِناهُ على أنه مستعارٌ منَ الجَدِّ الذي هُوَ البَختُ والمَعْنى وصفُهُ بالاستغناءِ عنِ الصاحبةِ والولدِ لعظمتِه أوْ لسلطانه لغناهُ وقُرِىءَ بالكسر وكَذا الجملُ المذكورةُ عطفاً على المحكيِّ بعدَ القولِ وهو الأظهرُ لوضوح اندارجِ كُلِّها تحتَ القولِ، وأما اندارجُ الجملِ الآتيةِ تحتَ الإيمانِ والتصديقِ كما يقتضيهُ العطفُ عَلى محلِّ الجارِّ والمجرورِ ففيهِ إشكالٌ كَما ستحيطُ به خُبْراً وقولُه تعالَى { مَا ٱتَّخَذَ صَـٰحِبَةً وَلاَ وَلَداً } بـيانٌ لِحُكمِ تعالِي جَدِّهِ وقُرِىءَ جَدَّاً ربُّنَا على التميـيزِ وجَدُّ ربِنا بالكسرِ أيْ صدقُ ربوبـيتِه وحقُّ إلهيةِ عنِ اتخاذِ الصاحبةِ والولدِ، وذلكَ أنَهُم لَمَّا سمعُوا القرآنَ ووفقُوا للتوحيدِ والإيمانِ تنبهُوا للخطأِ فيما اعتقدَهُ كفرةُ الجنِّ من تشبـيهِ الله تعالَى بخلقِه في اتخاذِ الصاحبةِ والولدِ فاستعظمُوه ونزهُوه تعالَى عَنْهُ.

{ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا } أي إبليسُ أو مردةُ الجنِّ { عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } أي قولاً ذَا شططٍ أيْ بعدٍ عن القصدِ ومجاوزةٍ للحدِّ أوْ هُو شططٌ في نفسِه لفرطِ بعدِهِ عن الحقِّ وهُو نسبةُ الصاحبةِ والولدِ إليهِ تعالَى وتعلقُ الإيمانِ والتصديقِ بهذَا القولِ ليسَ باعتبارِ نفسِه فإنهم كانُوا عالمِين بقولِ سفهائِهم منْ قبلُ أيضاً بلْ باعتبارِ كونِه شططاً كأنَّه قيلَ: وصدقنَا أنَّ مَا كَان يقولُه سفيهُنَا في حقِّه تعالَى كانَ شططاً وأما تعلقُهَما بقولِه تعالَى: { وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } فغيرُ ظاهرٍ وهُو اعتذارٌ منْهُم عن تقليدِهم لسفيهِهم أيْ كُنَّا نظنُّ أنه لنْ يكذبَ على الله تعالى أحدٌ أبداً ولذلكَ اتبعنَا قولَهُ وكَذِباً مصدرٌ مؤكدٌ لتقولَ لأنَّه نوعٌ من القولِ أو وصفٌ لمصدرِه المحذوفِ أيْ قولاً كذباً أيْ مكذوباً فيهِ وقُرِىءَ لنْ تَقوَّلَ بحذفِ احدَى التاءينِ فكذباً مصدرٌ مؤكدٌ له لأنَّ الكذبَ هو التقولُ { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مّنَ ٱلْجِنّ } كان الرجلُ من العربِ إذا أمسَى في وادٍ قفرٍ وخافَ على نفسِه يقولُ أعوذُ بسيدِ هَذَا الوادِي من سفهاءِ قومِه يريدُ الجنِّ وكبـيرَهُم فإذا سمعُوا بذلكَ استكبرُوا وَقَالُوا سُدنا الإنسَ والجنَّ وذلكَ قولُه تعالَى: { فَزَادوهُمْ } أيْ زادَ الرجالُ العائذونَ الجِنَّ { رَهَقاً } أي تكبراً وعتواً أو فزادَ الجنُّ العائذينَ غياً بأنْ أضلوهُمْ حتى استعاذُوا بهمْ { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ } أيِ الإنسُ { كَمَا ظَنَنتُمْ } أيُّها الجِنُّ على أنَّه كلامُ بعضِهم لبعضٍ { أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً } وقيل: المَعْنى أنَّ الجنَّ ظنُّوا كما ظننتُمْ أيُّها الكفرةُ الخ فتكونُ هذهِ الآيةُ وما قبلَها منْ جملة الكلامِ المُوحَى به والأقربُ أنهُمَا كذلكَ علَى كُلِّ تقديرٍ عطفاً على أنه استمَع اذ لاَ معْنَى لادراجهما تحتَ ما ذكرَ من الإيمان والتصديقِ وكذا قولُه تعالَى: { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَاء } وما بعدَهُ من الجُمَلِ المُصدرةِ بأنَّا ينبغِي أنْ تكونَ معطوفةً على ذلكَ عَلى أنَّ المُوحَى عينُ عبارةِ الجنِّ بطريقِ الحكايةِ كأنَّه قيلَ: قُلْ أُوحيَ إليَّ كيت وكيت وهذهِ العباراتُ أي طلبنَا بلوغَ السماءِ أو خبرَها واللمسُ مستعارٌ من المسِّ للطلبِ كالجسِّ يقال لمسَهُ والتمسَهُ وتلمسَهُ كطلَبُه واطلَبُه وتطلَبُه { فَوَجَدْنَـٰهَا مُلِئَتْ حَرَساً } أي حُراساً اسمُ جمعٍ كخدمٍ، مفردُ اللفظِ، ولذلكَ قيلَ: { شَدِيداً } قوياً وهُم الملائكةُ يمنعونَهُم عنها { وَشُهُباً } جمعُ شهابٍ، وهيَ الشعلةُ المقتبسةُ من نارِ الكواكبِ.