التفاسير

< >
عرض

أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً
٤
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً
٥
إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً
٦
-المزمل

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } أي زدِ القيامَ على النصف المقارِنِ له فالمَعْنى تخيـيرُه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بـينَ أنْ يقومَ نصفَهُ أو أقلَّ منه أو أكثرَ وقيلَ: قولُه تعالَى نصفَهُ بدلٌ من قليلاً والتخيـيرُ بحالهِ، وليس بسديدٍ، أمَّا أولاً فلأنَّ الحقيقَ بالاعتناءِ الذي ينبىءُ عنْهُ الإبدالُ هو الجُزءُ الباقي بعد الثُّنيا المقارِنُ للقيامِ لا الجزءُ المُخَرجُ العارِي عنه، وأمَّا ثانياً فلأَنَّ نقصَ القيامِ وزيادتَهُ إنما يُعتبرانِ بالقياسِ إلى معياره الذي هو النصفُ المقارِنُ له فلو جُعلَ نصفَهُ بدلاً من قليلاً لزمَ اعتبارُ نقصِ القيامِ وزيادتِه بالقياسِ إلى ما هُو عارٍ عنه بالكُليَّةِ، والاعتذارُ بتساوي النصفينِ مع كونِه تمحلاً ظاهراً اعترافٌ بأنَّ الحقَّ هو الأولُ. وقيلَ: نصفَهُ بدل من الليل وإلاَّ قليلاً استثناءٌ من النصف، والضميرُ في منه وعليه للنصف والمعنى التخيـيرُ بـينَ أمرينِ بـينَ أن يقومَ أقلَّ من نصف الليلِ على البتاتِ وبـينَ أنْ يختارَ أحدَ الأمرينِ وهُمَا النقصانُ من النصفِ والزيادةُ عليهِ. وقيلَ: الضميرانِ للأقلِّ منَ النصفِ كأنَّه قيلَ: قُم أقلَّ من نصفهِ أو قُم أنقصَ من ذلكَ الأقلِّ أو أزيدَ منهُ قليلاً. وقيلَ: والذي يليقُ بجزالة التنزيلِ هو الأولُ والله أعلمُ بما في كتابه الجليلِ. { وَرَتّلِ ٱلْقُرْءَانَ } في أثناءِ ما ذُكِرَ من القيامِ أي اقرأْهُ على تُؤدةٍ وتبـيـين حروفٍ { تَرْتِيلاً } بليغاً بحيثُ يتمكنُ السامعُ من عدِّها من قولِهم ثغرٌ رتْلٌ ورتِلٌ إذا كانَ مُفلَّجاً.

{ إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ } أن سنُوحي إليكَ وإيثارُ الإلقاءِ عليه لقوله تعالى: { قَوْلاً ثَقِيلاً }. وهو القرآنُ العظيمُ المنطوِي على تكاليفَ شاقةٍ ثقيلةٍ على المُكلفينَ لا سيَّما على الرسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فإنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامِ مأمورٌ بتحملها وتحميلها للأمة، والجملةُ اعتراضٌ بـين الأمرِ وتعليلهِ لتسهيل ما كُلِّفهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من القيامِ. وقيلَ: مَعْنَى كونِه ثقيلاً أنه رصينٌ لرزانة لفظهِ ومتانة معناهُ أو ثقيلٌ على المتأمل فيهِ لافتقارِه إلى مزيد تصفيةٍ للسرِّ وتجريدٍ للنظرِ أو ثقيلٌ في الميزان أو على الكفار والفجارِ أو ثقيلٌ تلقيه. عن ابن عباسٍ رضيَ الله عنهما كانَ إذا نزلَ عليه الوحيُ ثقُلَ عليه وتربَّدَ له جلدُه، وعن عائشةَ رضيَ الله تعالى عنها رأيتُه ينزلُ عليه الوحيُ في اليومِ الشديدِ البردِ فيفصمُ عنه وإن جبـينَهُ ليرفضُّ عرقاً. { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ } أي إنَّ النفسَ التي تنشأ من مضجعِها إلى العبادةِ أي تنهضُ، من نَشَأ من مكانه إذا نهضَ أو إنَّ قيامَ الليلِ على أنَّ الناشئةَ مصدرٌ من نشَأ كالعافية أو إنَّ العبادةَ التي تنشأُ بالليلِ أي تحدثُ أوانَ ساعاتِ الليلِ فإنَّها تحدثُ واحدةً بعدَ واحدةٍ، أو ساعاتها الأولُ من نَشأ إذا ابتدأ { هِىَ أَشَدُّ وَطْأً } أي هي خاصَّةٌ أشدُّ ثباتَ قدمٍ أو كلفةً فلا بدَّ من الاعتناءِ بالقيامِ. وقرىءَ وطاءً أي أشدُّ مواطأةً يواطىءُ قلبها لسانَها إن أريدَ بها النفسُ أو يواطىءُ فيها قلبُ القائمِ لسانَه إنْ أُريدَ بها القيامُ أو العبادةُ أو الساعاتُ أو أشدُّ موافقةً لما يرادُ من الخشوعِ والإخلاصِ { وَأَقْوَمُ قِيلاً } وأسدُّ مقالاً وأثبتُ قراءةً لحضورِ القلبِ وهدوءِ الأصواتِ.