التفاسير

< >
عرض

نَذِيراً لِّلْبَشَرِ
٣٦
لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ
٣٧
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ
٣٨
إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ
٣٩
فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ
٤٠
عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ
٤١
مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ
٤٢
-المدثر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ نَذِيراً لّلْبَشَرِ } تميـيزٌ لإحدى الكبرِ إنذاراً أو حالٌ مما دلتْ عليهِ الجملةُ أي كبرتْ منذرةً وقُرِىءَ نذيرٌ بالرفعِ على أنه خبرٌ بعدَ خبرِ لأنَّ أو لمبتدأٍ محذوفٍ { لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } بدلٌ من للبشر أي نذيراً لمن شاءَ منكم أن يسبقَ إلى الخير فيهديَه الله تعالى أو لم يشأْ ذلكَ فيضلَّه، وقيلَ: لمن شاء خبرٌ وأنْ يتقدمَ أو يتأخرَ مبتدأٌ فيكونُ في معنى قوله تعالى فمنْ شاءَ فليؤمنْ ومنْ شاءَ فليكفرُ { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } مرهونةٌ عندَ الله تعالى بكسبِها والرهينةُ اسمٌ بَمعْنى الرهنِ كالشتيمةِ بمعنى الشتمِ لا صفةٌ وإلا لقيلَ رهينٌ لأن فعيلاً بمعنى مفعولٍ لا يدخلُه التاءُ { إِلاَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْيَمِينِ } فإنهم فاكُّون رقابَهم بما أحسنُوا من أعمالِهم كما يفكُّ الراهنُ رهنَهُ بأداءِ الدينِ وقيلَ: هم الملائكةُ وقيل: الأطفالُ وقيل: هم الذين سبقتْ لهم من الله تعالى الحُسنى وقيلَ: الذين كانُوا عن يمينِ آدمٍ عليه السلامُ يومَ الميثاقِ وقيل: الذين يُعطون كتُبَهم بأيمانِهم { فِى جَنَّـٰتِ } لا يُكتنه كُنُهَها ولا يُدرك وصفُها وهو خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ والجملةُ استئنافٌ وقعَ جواباً عن سؤالٍ نشأَ مما قبَلُه من استثناء أصحابِ اليمين كأنه قيلَ: ما بالُهم فقيلَ هم في جناتٍ وقيل: حالٌ من أصحاب اليمين وقيل: من ضميرهم في قوله تعالى { يَتَسَاءلُونَ } وقيل: ظرفٌ للتساؤلِ وليس المرادُ بتساؤلهم أنْ يسألَ بعضُهم بعضاً على أنْ يكون كلُّ واحدٍ منهم سائلاً ومسؤولاً معاً بلْ صدورُ السؤالِ عنْهم مجرداً عن وقوعه عليهم فإن صيغةَ التفاعلِ وإن وضعتْ في الأصل للدلالةِ على صدورِ الفعلِ عن المتعددِ ووقوعهِ عليه معاً بحيثُ يصير كلُّ واحدٍ من ذلك فاعلاً ومفعولاً معاً كما في قولكَ تراءى القومُ أيْ رأى كلُّ واحدٍ منهم الآخرَ لكنها قد تجردُ عن المَعْنى الثانِي ويقصد بها الدلالةُ على الأولِ فقط فيذكرُ للفعلِ حينئذٍ مفعولُ كما في قولِك تراءوا الهلالَ فمعنى يتساءلونَ { عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } يسألونُهم عن أحوالِهم وقد حُذف المسؤولُ لكونه عينَ المسؤولِ عنه وقولُه تعالى { مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ } مقدرٌ بقولٍ هو حالٌ من فاعل يتساءلونَ أيْ يسألونَهم قائلينَ أيُّ شيءٍ أدخلكُم فيَها فتأملْ ودعْ عنكَ ما تكلفَ فيهِ المتكلفونَ.