التفاسير

< >
عرض

وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ
٥
وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ
٦
وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ
٧
فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ
٨
فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ
٩
عَلَى ٱلْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ
١٠
-المدثر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } أي واهجُر العذابَ بالثباتِ على هَجْرِ ما يُؤدي إليه من المآثمِ وقُرِىءَ بكسرِ الراءِ وهُمَا لُغتانِ كالذُّكرِ والذِّكرِ { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } ولا تُعطِ مُستكثراً أي رائياً لِمَا تعطيهِ كثيراً أو طالباً للكثيرِ على أنَّه نهيٌ عنْ الاستغزارِ وهُوَ أنْ يهبَ شيئاً وهو يطمعُ أنْ يتعوضَ منَ الموهوبِ لَهُ أكثرَ ممَّا أعطاهُ وهُو جائزٌ ومنْهُ الحديثُ: "المستغزرُ يثابُ من هبتِه" فالنهيُ إمَّا للتحريمِ وهو خاصٌّ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم لأنَّ الله تعالى اختارَ له أشرفَ الأخلاقِ وأحسنَ الآدابِ أو للتنزيهِ للكُلِّ تستكثرْ بالسكونِ اعتباراً بحالِ الوقفِ أوْ إبدالاً منْ تمنن كأنَّه قيلَ: ولا تمنُنْ ولا تستكثرْ على أنَّه منَ المَنِّ الَّذي في قولِه تعالى منَّا ولاَ أذَىَ منْ يمنَّ بِمَا يُعطي يستكثرُه ويعيدُ بِه وقُرِىءَ بالنصبِ بإضمارِ أنْ معَ إبقاءِ عملِها كقولِ منْ قالَ:

أَلاَ أيُهذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الوَغَى [وأن أشْهَدَ اللَّذاتِ هلْ أنتَ مُخْلدِي]

وقدْ قُرِىءَ بإثباتِها ويجوزُ في قراءةِ الرفعِ أنْ يحذفَ أنْ ويبطلَ عملُها كَمَا يُروى أحضرُ الوَغَى بالرفعِ { وَلِرَبّكَ } أي لوجههِ تعالى أو لأمرِه { فَٱصْبِرْ } فاسعملَ الصبرَ وقيلَ: على أذيةِ المشركينَ وقيلَ: عَلى أداءِ الفرائضِ.

{ فَإِذَا نُقِرَ فِى ٱلنَّاقُورِ } أي نفخَ في الصُّورِ وهو فاعل من النقر بمعنى التصويت وأصله القرع الذي هو سببُ الصَّوتِ والفاءُ للسببـيةِ كأنَّه قيلَ: اصبرْ عَلَى أذاهُم فبـينَ أيديهِم يومٌ هائلٌ يلقونَ فيهِ عاقبةَ أذاهُم وتلقَى عاقبةَ صبرِك عليهِ وَالعَاملُ فِي إذَا ما دَلَّ عليهِ قولُه تعالى: { فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } فإنَّ معناهُ عسُرَ الأمرُ عَلَى الكافرينَ وذلكَ إشارةٌ إلى وقتِ النقرِ وما فيهِ منْ مَعْنى البعدِ مع قُربِ العَهدِ بالمشارِ إليهِ للإيذانِ ببعدِ منزلتِه في الهولِ والفظاعةِ ومحلُه الرفعُ عَلى الابتداءِ ويومئذٍ بدلٌ منْهُ مبنيٌّ عَلى الفتحِ لإضافتِه إلى غيرِ متمكنٍ والخبرُ يومٌ عسيرٌ وقيلَ: يومئذٍ ظرفٌ للخبرِ إذِ التقديرُ وذلك وقتُ وقوعِ يومٍ عسيرٍ وَعَلَى متعلقةٌ بعسيرٌ وقيلَ: بمحذوفٍ هو صفةٌ لعسيرٌ أوْ حالٌ من المستكنِّ فيهِ وقولُه تعالى: { غَيْرُ يَسِيرٍ } تأكيدٌ لعُسرِهِ عليهمْ مشعرٌ بـيُسرهِ على المؤمنينَ واختلفَ في أنَّ المرادَ بِه يومُ النفخةِ الأولى أو الثانيةِ، والحقُّ أنَّها الثانيةُ، إذْ هيَ التي يختصُّ عسرُها بالكافرينَ وأما النفخةُ الأُولى فحكمُها الذي هو الإصعاقُ يعمُّ البرَّ والفاجرَ عَلى أنَّها مختصةٌ بمَنْ كانَ حياً عندَ وقوعِها وقد جاءَ في الأخبار أنَّ في الصورِ ثقباً بعددِ الأرواحِ كلِّها وأنَّها تجمعُ في تلكَ الثقوبِ في النفخةِ الثانيةِ فتخرجُ عندَ النفخِ منْ كُلِّ ثقبةٍ روحٌ إلى الجسدِ الِّذي نزعت مِنْهُ فيعودُ الجسدُ حياً بإذنِ الله تعالَى.