التفاسير

< >
عرض

فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ
٥١
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً
٥٢
كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ ٱلآخِرَةَ
٥٣
كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ
٥٤
فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ
٥٥
وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ
٥٦
-المدثر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } أيْ من أسدٍ فَعْوَلَة من القَسْرِ وهُو القهرُ والغلبةُ وقيل: هي جماعةُ الرماةِ الذين يتصيدونَها شُبهوا في إعراضِهم عن القرآنِ واستماعِ ما فيه من المواعظِ وشرادِهم عنه بحمُرٍ جدَّت في نفارِها مما أفزعَها وفيهِ من ذمِهم وتهجينِ حالِهم ما لا يَخْفى وقولُه تعالى: { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } عطفٌ على مقدرٍ يقتضيه المقامُ كأنه قيلَ: لا يكتفونَ بتلك التذكرة ولا يرضَون بها بلْ يريدُ كل واحدٍ منهم أنْ يُؤتى قراطيسَ تنشرُ وتقرأُ وذلكَ أنهم قالُوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لنْ نتبعكَ حتى تأتِي كلَّ واحدٍ منها بكتابٍ من السماءِ عنوانُه من ربِّ العالمينَ إلى فلانِ بنِ فلانٍ نؤمُر فيها باتباعكَ كما قالُوا لن نؤمنَ لرقيكَ حتى تنزلَ علينَا كتاباً نقرؤْه وقرىءَ صُحْفاً مُنْشرةً بسكونِ الحاءِ والنونِ { كَلاَّ } ردعٌ لهم عن تلكَ الجراءة { بَل لاَّ يَخَافُونَ ٱلآخِرَةَ } فلذلكَ يُعرضون عن التذكرة لا لامتناع إيتاءِ الصحفِ { كَلاَّ } ردعٌ عنْ إعراضِهم { إِنَّهُ } أي القرآنَ { تَذْكِرَةٌ } وأيُّ تذكرةٍ { فَمَن شَاء } أن يذكرَهُ { ذَكَرَهُ } وحازَ بسببهِ سعادةَ الدارينِ { وَمَا يَذْكُرُونَ } بمجرد مشيئتِهم للذكر كما هُو المفهومُ من ظاهرِ قولِه تعالى فمَنْ شاءَ ذكرَهُ إذْ لا تأثيرَ لمشيئةِ العبدِ وإرادتِه في أفعالِه، وقولُه تعالى { إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ } استئناءٌ مفرغٌ من أعم العلل أو من أعم الأحوال أيْ وما يذكرونَ بعلةٍ من العلل أو في حالٍ من الأحوالِ إلا بأنْ يشاءَ الله أو حالَ أنْ يشاءَ الله ذلكَ وهو تصريحٌ بأن أفعالَ العبادِ بمشيئةِ الله عَزَّ وجَلَّ وقُرِىءَ تذكرونَ على الخطاب التفاتاً وقرىءَ بهمَا مشدداً { هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ } أي حقيقٌ بأنْ يُتقى عقابُه ويؤمنَ به ويطاعَ { وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ } حقيقٌ بأنْ يغفرَ لمنْ آمنَ بهِ وأطاعَهُ.

عن النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: " "مَنْ قرأَ سورةَ المدثرِ أعطاهُ الله عشرَ حسناتٍ بعددِ مَنْ صدَّقَ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم وكذَّبَ بهِ بمكةَ" .