التفاسير

< >
عرض

كَلاَّ لاَ وَزَرَ
١١
إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ
١٢
يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ
١٣
بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
١٤
وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ
١٥
لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
١٦
-القيامة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ كَلاَّ } رَدعٌ من طلبِ المفرِّ وتمنيهِ { لاَ وَزَرَ } لاَ ملجأ، مستعارٌ منْ الجبلِ وقيلَ: كُلُّ ما التجأتَ إليهِ وتخلصتَ بهِ فَهُو وزَرُك { إِلَىٰ رَبّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } أيْ إليهِ وحْدَهُ استقرارُ العبادِ أو إلى حُكمِه استقرارُ أمرهم أَوْ إِلى مشيئتِه موضعُ قرارِهم يُدخلُ مَنْ يشاءُ الجنةَ ومَنْ يشاءُ النَّارَ { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَـٰنُ يَوْمَئِذِ } أيْ يُخبرُ كلُّ امرىءٍ براً كانَ أو فاجراً عندَ وزنِ الأعمالِ { بِمَا قَدَّمَ } أيْ عملَ منْ عملٍ خيراً كانَ أو شراً فيثابُ بالأولِ ويعاقبُ بالثاني { وَأَخَّرَ } أيْ لَمْ يعملْ خيراً كانَ أو شراً فيعاقبُ بالأولِ ويثابُ بالثانِي أو بما قدمَ منْ حسنةٍ أوْ سيئةٍ وبما أخَّر منْ سنةٍ حسنةٍ أوْ سيئةٍ فعملَ بَها بعدَهُ أو بما قدمَ منْ مالٍ تصدقَ بهِ في حياتِه وبما أخَّر فخلفَهُ أو وقفَهُ أو أوْصَى بهِ أو بأولِ عملِه وآخرِه { بَلِ ٱلإِنسَـٰنُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } أيْ حجةٌ بـينةٌ على نفسِه شاهدةٌ بما صدرَ عنْهُ منَ الأعمالِ السيئةِ كما يعربُ عنْهُ كلمةُ على وما سيأتِي منَ الجملةِ الحاليةِ وصفتْ بالبصارةِ مجازاً كما وصفتْ الآياتُ بالأبصار في قولِه تعالى: { { فَلَمَّا جَاءتْهُمْ ءايَـٰتُنَا مُبْصِرَةً } [سورة النمل، الآية 13] أوْ عينٌ بصيرةٌ أوِ التاءُ للمبالغةِ ومَعْنى بَلْ الترقِي أيْ ينبأُ الإنسانُ بأعمالِه بلُ هُو يومئذٍ عالمٌ بتفاصيلِ أحوالِه شاهدٌ على نفسِه لأنَّ جوارحَهُ تنطقُ بذلكَ وقولُه تعالَى: { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } أيُ ولَو جاءَ بكُلِّ معذرةٍ يمكنُ أنْ يعتذرَ بَها عن نفسِه حالٌ من المستكنِ في بصيرةٍ أو منْ مرفوعٍ ينبأُ أيْ هُو بصيرةٌ علَى نفسِه تشهدُ عليهِ جوارحُه وتُقبلُ شهادتُها ولو اعتذرَ بكُلِّ معذرةٍ أو ينبأُ بأعمالِه ولِو اعتذرَ الخ والمعاذيرُ اسمُ جمعٍ للمعذرةِ كالمناكيرِ اسمُ جمعٍ للمنكرِ وقيلَ: هو جمعُ معذارٍ وهُو السترُ أيْ ولوْ أرْخى ستورَهُ. كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا لقِّن الوحيَ نازعَ جبريلَ عليهِ السَّلامُ القراءةَ ولَم يُصبرْ إلى أنْ يتمَّها مسارعةً إلى الحفظِ وخوفاً منْ أنْ ينفلتَ منْهُ فأُمَر عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بأن يستنصتَ لَهُ ملقياً إليهِ قلَبُه وسمَعُه حَتَّى يُقضى إليهِ الوحيُ ثمَّ يقفّيهِ بالدراسةِ إلى أنْ يرسخَ فيهِ { لاَ تُحَرّكْ بِهِ } أيْ بالقرآنِ { لِسَانَكَ } عندَ إلقاءِ الوَحْى { لِتَعْجَلَ بِهِ } أي لتأخذَهُ على عجلة مخافة أنْ ينفلتَ منكَ.