التفاسير

< >
عرض

لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ
١
وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ
٢
أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ
٣
-القيامة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

مكية وآياتها أربعون

{ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } إدخالُ لاَ النافيةِ عَلى فعلِ القسمِ شائعٌ وفائدتُها توكيدٌ القسمِ قالُوا إنَّها صلةٌ مثلُها في قولِه تعالَى لئَّلا يعلمَ أهلُ الكتابِ وقيلَ: هيَ للنفِي لكنْ لا لنفي نفسِ الإقسامِ بلْ لنفي ما ينبىءُ هُو عنْهُ منْ إعظامِ المقسمِ بهِ وتفخيمِه كأنَّ مَعْنى لا أقسمُ بكَذَا لاَ أعظمُه بإقسامِي بهِ حَقَّ إعظامِه فإنَّه حقيقٌ بأكثرَ منْ ذلكَ وأكثرَ وأما مَا قيلَ: من أنَّ المَعْنى نفيُ اللإقسامِ لوضوحِ الأمرِ فقدْ عرفتَ مَا فيهِ فِي قَوْلِه تَعَالَى: { { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوٰقِعِ ٱلنُّجُومِ } [سورة الواقعة، الآية 75] وقيلَ: إنَّ لاَ نفيٌ وردَ لكلامٍ معهودٍ قبلَ القسمِ كأنَّهم أنكرُوا البعثَ فقيلَ لاَ أيْ ليسَ الأمرُ كذلكَ ثمَّ قيلَ: أقسمُ بـيومِ القيامةِ كقولِك لا والله إنَّ البعثَ حقٌّ وأيا ما كانَ ففِي الإقسامِ على تحققِ البعثِ بـيوم القيامةِ منَ الجزالةِ ما لاَ مزيدَ عليهِ وقَدْ مرَّ تفصيلُه في سورةِ يس وسورةِ الزخرفِ { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } أَيْ بالنَّفسِ المتقيةِ التي تلومُ النفوسَ يومئذٍ عَلى تقصيرهنَّ فِي التَّقوى ففيهِ طَرفٌ منَ البَراعةِ التي في القسمِ السَّابقِ أوْ بالنفسِ التي لا تزالُ تلومُ نفسَها وإنِ اجتهدتْ في الطاعاتِ أو بالنفسِ المطمئنةِ اللائمةِ للنفسِ الأمارةِ وقيلَ: بالجنسِ لَما رُوي أنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ: "ليسَ منْ نفسٍ برةٍ ولا فاجرةٍ إلا وتلومُ نفسَها يومَ القيامةِ إنْ عملتْ خيراً قالتْ كيفَ لَمْ أزددْ وإنْ عملتْ شَراً قالتْ ليتني كنتُ قصرتُ" ولا يَخفْى ضعفُه فإنَّ هذَا القدرِ منَ اللومِ لا يكونُ مداراً للإعظامِ بالإقسامِ وإنْ صدرَ عنْ النفسِ المؤمنةِ المسيئةِ فكيفَ منَ الكافرةِ المندرجةِ تحتَ الجنسِ وقيلَ: بنفس آدمَ عليهِ السَّلامُ فإنَّها لا تزالُ تتلومُ عَلى فعلِها الذَّي خرجتْ بهِ منَ الجنةِ وَجَوابُ القسمِ ما دلَّ عليهِ قولُه تعالَى:

{ أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَـٰنُ أَن لَنْ نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } وهُو ليبعثن، والمرادُ بالإنسان الجنسُ والهمزةُ لإنكارِ الواقعِ واستقباحِه وأنْ مخففةٌ منَ الثقيلةِ وضميرُ الشأنِ الذي هُو اسُمها محذوفٌ أيْ أيحسبُ أنَّ الشأنَ لنْ نجمعَ عظامَهُ فإنَّ ذلكَ حسبانٌ بَاطِلٌ فإنَّا تجمعُها بعدَ تشتتها ورجُوعِها رَميماً ورُفاتاً مختلطاً بالترابِ وبعدَ مَا سفتَها الرِّياحُ وطيرتها في أقطارِ الأرضِ وألقتها في البحارِ وقيلَ: إنَّ عديَّ بنَ أبِـي ربـيعةَ ختَنَ الأخنسِ بن شُريق وهُمَا اللذانِ كانَ النبـيُّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يقولُ فيهَما: "اللَّهم اكفِني جاريْ السوءِ" قالَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: يا محمدُ حدثنى عنْ يومِ القيامةِ مَتَى يكونُ وكيفَ أمرُهُ فأخبرَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: لو عاينتُ ذلكَ اليومَ لَمْ أصدقكَ، أوَ ويجمعُ الله هذهِ العظامَ.