التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً
٢٦
إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً
٢٧
نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً
٢٨
إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً
٢٩
وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً
٣٠
يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً
٣١
-الإنسان

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ } وبعضَ الليلَ فصلِّ له ولعلَّه صلاةُ المغربِ والعشاءِ، وتقديمُ الظرفِ لما في صلاةِ الليلِ من مزيد كلفةٍ وخلوصٍ { وَسَبّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } وتهجدْ له قِطَعاً من الليلِ طويلاً.

{ إِنَّ هَـؤُلآء } الكفرةَ { يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } وينهمكونَ في لذاتِها الفانيةِ { وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ } أي أمامَهم لا يستعدونَ أو ينبذون وراءَ ظُهورهم { يَوْماً ثَقِيلاً } لا يعبأونَ به ووصفُه بالثقل لتشبـيه شدتِه وهولِه بثقل شيءٍ فادحٍ باهظٍ لحامله بطريقِ الاستعارةِ وهو كالتعليل لما أُمرَ به ونهيٌ عنه. { نَّحْنُ خَلَقْنَـٰهُمْ } لا غيرُنا { وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ } أي أحكمنَا ربطَ مفاصلِهم بالأعصابِ. { وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَـٰلَهُمْ } بعدَ إهلاكِهم { تَبْدِيلاً } بديعاً لا ريبَ فيهِ هو البعثُ كما ينبىءُ عنه كلمةُ إذَا أو بدَّلنا غيرَهُم ممن يطيعُ. كقولِه تعالى: { { يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } [سورة التوبة، الآية 39] وإذَا للدلالةِ على تحققِ القُدرةِ وقوةِ الداعيةِ. { إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ } إشارةٌ إلى السورةِ أو الآياتِ القريبةِ { فَمَن شَاء ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبّهِ سَبِيلاً } أي فَمنْ شاءَ أنْ يتخذَ إليهِ تعالى سبـيلاً أي وسيلةً توصلُه إلى ثوابِه اتخذَهُ أي تقربَ إليهِ بالعمل بمَا في تضاعيفِها. وقولُه تعالى: { وَمَا تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ } تحقيقٌ للحقِّ ببـيان أنَّ مجردَ مشيئتِهم غيرُ كافيةٍ في اتخاذ السبـيلِ كما هُو المفهومُ من ظاهر الشرطيةِ أي وما تشاءونَ اتخاذَ السبـيلِ ولا تقدرونَ على تحصيله في وقتٍ من الأوقات إلا وقتَ مشيئتِه تعالى تحصيلَه لكُم، إذ لا دخلَ لمشيئة العبدِ إلا في الكسبِ وإنَّما التأثيرُ والخلقُ لمشيئة الله عزَّ وجلَّ. وقُرىءَ يشاءونَ بالياءِ وقُرىءَ إلاَّ ما يشاءُ الله. وقولُه تعالَى: { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } بـيانٌ لكون مشيئتِه تعالى مبنيةً على أساس العلمِ والحكمةِ والمَعْنى أنَّه تعالَى مبالغٌ في العلم والحكمةِ فيعلمُ ما يستأهلُه كلُّ أحدٍ فلا يشاءُ لهم إلا ما يستدعيهِ علمُه وتقتضيِه حكمتُه. وقولُه تعالى: { يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِى رَحْمَتِهِ } بـيانٌ لأحكام مشيئتِه المترتبةِ على علمه وحكمتِه أي يدخلُ في رحمتِه مَن يشاءُ أنْ يدخلَهُ فيها وهُو الذي يصرِفُ مشيئتَهُ نحوَ اتخاذِ السبـيلِ إليهِ تعالى حيثُ يوفقُه لَما يَؤدِّي إلى دخول الجنةِ من الإيمانِ والطاعةِ { وَٱلظَّـٰلِمِينَ } وهم الذينَ صَرفوا مشيئَتُهم إلى خلافِ ما ذُكِرَ { أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } أي متناهياً في الإيلامِ. قالَ الزجاجُ نصبَ الظالمينَ لأنَّ ما قبلَهُ منصوبٌ أي يُدخلُ من يشاءُ في رحمته ويعذبُ الظالمينَ، ويكونُ أعدَّ لَهُم تفسيراً لهَذا المضمرِ، وقُرِىءَ بالرفعِ على الابتداءِ.

عنِ النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: " "مَنْ قرأَ سورةَ هَل أَتَى كانَ جزاؤُه على الله تعالَى جنةً وحريراً" .