التفاسير

< >
عرض

لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً
٢٣
لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً
٢٤
إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً
٢٥
جَزَآءً وِفَاقاً
٢٦
إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً
٢٧
وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً
٢٨
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً
٢٩
-النبأ

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ لَّـٰبِثِينَ فِيهَا } حالٌ مقدرةٌ من المستكنِّ في للطاغينَ وقُرىءَ لبثينَ. وقوله تعالى: { أَحْقَاباً } ظرفٌ للبثِهم أي دُهُوراً متتابعةً كلما مضَى حقبٌ تبعَهُ حقبٌ آخرُ إلى غيرِ نهايةٍ فإن الحقبَ لا يكادُ يستعملُ إلا حيثُ يرادُ تتابعُ الأزمنةِ وتواليها فليسَ فيه ما يدلُّ على تَنَاهِي تلكَ الأحقابِ ولو أُريدَ بالحقب ثمانونَ سنةً أو سبعونَ ألفَ سنةٍ. وقولُه تعالى: { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً * إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } جملةٌ مبتدأه أخبرَ عنُهم بأنَّهم لا يذقونَ فيها شيئاً ما من بردَ ورَوْحٍ ينفسُ عنُهم حرَّ النَّارِ ولا من شرابٍ يُسكِّنُ من عطشِهم ولكنْ يذوقونَ فيها حميماً وغسَّاقاً، وقيلَ: البردُ النومُ وقُرِىءَ غَسَاقاً بالتفخيف وكلاهُما ما يسيلُ من صديدِهم { جَزَاء } أي جُوزوا بذلكَ جزاءً { وِفَـٰقاً } ذَا وفاقٍ لأعمالِهم أو نفسُ الوفاقِ مبالغةٌ أو وافقَها وِفاقاً، وقُرِىءَ وَفَاقاً على أنَّه فَعالٌ من وَفَقُه كذا أي لاقَهُ { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } تعليلٌ لاستحقاقِهم الجزاءَ المذكورَ أي كانُوا لا يخافونَ أنْ يُحاسبُوا بأعمالِهم { وَكَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } الناطقةِ بذلكَ { كِذَّاباً } أي تكذيباً مُفرطاً ولذلكَ كانُوا مصرينَ على الكفرِ وفنونِ المَعَاصِي وفِعَّالٌ من بابِ فَعَّلَ شائعٌ فيما بـينَ الفصحاءِ وقُرِىءَ بالتفخيف وهو مصدرُ كذبَ قالَ:

فَصدَقتُها وَكذَبتُهاوالمرءُ ينفعُهُ كِذَابُه

وانتصابُه إمَّا بفعلِه المدلولِ عليهِ بكذبوا أي وكذبوا بآياتنا فكذبوا كذاباً وإما بنفس كذبوا لتضمنه معنى كذَّبوا فإنَّ كلَّ مَنْ يكذبُ بالحقِّ فهو كاذبٌ. وقُرِىءَ كُذَّاباً وهو جَمعُ كاذبَ فانتصابُه على الحاليةِ أي كذَّبُوا بآياتِنا كاذبـينَ وقد يكونُ الكذَّابُ بمعنى الواحدِ البليغِ في الكذبِ فيجعلُ صفةً لمصدرِ كذَّبوا أي تكذيباً كذباً مُفرطاً كذبُه { وَكُلَّ شىْء } من الأشياءِ التي منْ جُملتِها أعمالُهم. وانتصابُه بمضمرٍ يفسرُه { أَحْصَيْنَـٰهُ } أي حفظناهُ وضبطناهُ. وقُرِىءَ بالرفعِ على الابتداءِ { كِتَـٰباً } مصدرٌ مؤكدٌ لأحصيناهُ لما أنَّ الإحصاءَ والكتبةَ من وادٍ واحدٍ أو لفعلِه المقدرِ أو حالٌ بمعنى مكتوباً في اللوحِ أو في صحفِ الحفظةِ، والجملةُ اعتراضٌ.