التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً
٣٩
إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً
٤٠
-النبأ

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ ذٰلِكَ } إشارةٌ إلى يوم قيامِهم على الوجه المذكورِ وما فيه من مَعْنى البعدِ مع قُربِ العهدِ المشارِ إليه للإيذانِ بعلوِ درجتِه وبعدِ منزلتِه في الهولِ والفخامةِ ومحلُّه الرفعُ على الابتداءِ خبرُهُ ما بعدَهُ أي ذلكَ اليومُ العظيمُ الذي يقومُ فيه الروحُ والملائكةُ مصطفينَ غيرَ قادرينَ هُم وغيرُهم على التكلمِ من الهيبةِ والجلالِ { ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ } أي الثابتُ المتحققُ لا محالةَ من غيرِ صارفٍ يلويهِ ولا عاطفٍ يثنيهِ والفاءُ في قولِه تعالى: { فَمَن شَاء ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبّهِ مَـئَاباً } فصيحةٌ تفصحُ عن شرطٍ محذوفٍ، ومفعولُ المشيئةِ محذوفٌ لوقوعِها شرطاً وكونِ مفعولِها مضمونَ الجزاءِ وانتفاءِ الغرابةِ في تعلقِه بها حسبَ القاعدةِ المستمرةِ وإلى ربِّه متعلقٌ بمآباً قدمَ عليه اهتماماً به ورعايةً للفواصلِ كأنَّه قيلَ: وإذَا كانَ الأمرُ كما ذُكرَ منْ تحققِ اليومِ المذكورِ لا محالةَ فمن شاءَ أن يتخذَ مرجعاً إلى ثوابِ ربِّه الذي ذُكِرَ شأنُه العظيمُ فعلَ ذلكَ بالإيمانِ والطاعةِ. وقالَ قَتَادةُ: مآباً أي سبـيلاً، وتعلقُ الجارِّ به لما فيه من مَعْنى الإفضاءِ والإيصالِ كما مرَّ في قولِه تعالى: { { مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } [سورة آل عمران، الآية 97].

{ إِنَّا أَنذَرْنَـٰكُمْ } أيْ بمَا ذُكرَ في السورةِ من الآيات الناطقةِ بالبعث وبمَا بعدَهُ من الدَّواهي أو بها وبسائر القوارعِ الواردةِ في القرآن { عَذَاباً قَرِيباً } هو عذابُ الآخرةِ وقربُه لتحقق إتيانِه حَتْماً ولأنَّه قريبٌ بالنسبة إليه تعالى، وإنْ رَأَوْه بعيداً وسيرونَهُ قريباً لقولِه تعالى: { { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَـٰهَا } [سورة النازعات، الآية 46] وعن قَتَادَةَ: هو عقوبةُ الدُّنيا لأنَّه أقربُ العذابـينِ وعن مقاتلٍ: هو قتلُ قريشٍ يومَ بدرٍ ويأباهُ قولُه تعالى: { يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } فإنَّه إما بدلٌ من عذاباً أو ظرفٌ لمضمرٍ هو صفةٌ له أي عذاباً كائناً يومَ ينظرُ المرءُ أي شاهدُ ما قدمَهُ من خيرٍ أو شرَ على أنَّ مَا موصولةٌ منصوبةٌ بـينظرُ، والعائدُ محذوفٌ أو ينظرُ أيَّ شيءٍ قدمتْ يداهُ على أنَّها استفهاميةٌ منصوبةٌ بقدمتْ وقيلَ: المرءُ عبارةٌ عن الكافر وما في قوله تعالى: { وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يَـٰلَيْتَنِى كُنتُ تُرٰباً } ظاهرٌ وضعَ موضعَ الضميرِ لزيادةِ الذمِّ قيلَ: معنى تمنيهِ ليتني كنتُ تراباً في الدُّنيا فلم أُخلقْ ولم أُكلَّف أو ليتني كنتُ تُراباً في هذا اليومِ فلم أُبعثْ وقيلَ: يحشرُ الله تعالى الحيوانَ فيقتصُّ للجمَّاءِ من القرناءِ ثم يردُّه تراباً فيودُّ الكافرُ حالَه وقيلَ: الكافرُ إبليسُ يَرَى آدمَ وولدَهُ وثوابَهُم فيتمنَّى أنْ يكونَ الشيءَ الذي احتقرَهُ حينَ قالَ: خلقتني من نارٍ وخلقتَهُ من طينٍ.

عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قرأَ سورةَ عَمَّ يتساءلونَ سقاهُ الله تعالى بردَ الشرابِ يومَ القيامةِ" والحمدُ لله وَحْدَهُ.