التفاسير

< >
عرض

أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً
١١
قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ
١٢
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ
١٣
فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ
١٤
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ
١٥
-النازعات

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقولُه تعالَى: { أَءذَا كُنَّا عِظَـٰماً نَّخِرَةً } تأكيدٌ لإنكار الردِّ ونفيِه بنسبتِه إلى حالةِ منافيةٍ له. والعاملُ في إذَا مضمرٌ يدلُّ عليهِ مردودونَ أي أَئِذا كُنَّا عظاماً باليةً نُردُّ ونبعثُ مع كونِها أبعدَ شيءٍ من الحياةِ وقُرِىءَ إذَا كُنَّا على الخبرِ أو إسقاطِ حرفِ الإنكارِ. وناخرةٌ منْ نَخَر العظمُ فهو نَخِرٌ ونَاخِرٌ، وهُو البَالِي الأَجْوفُ الذي يمرُّ به الريحُ فيُسمعُ له نخيرٌ { قَالُواْ } حكايةٌ لكفرٍ آخرَ لهم متفرعٍ على كُفْرِهم السابقِ ولعلَّ توسيطَ قالُوا بـينهُمَا للإيذانِ بأنَّ صدورَ هذا الكفرِ عنهُم ليسَ بطريقِ الاطرادِ والاستمرارِ مثلَ كفرِهم السابقِ المستمرِّ صدورُه عنهُم في كافةِ أوقاتِهم حسبَما ينبىءُ عنْهُ حكايتُه بصيغةِ المضارعِ، أيْ قالُوا بطريق الاستهزاءِ مشيرينَ إلى ما أنكرُوه من الردة في الحافرةِ مشعرينَ بغايةِ بُعدِها من الوقوعِ: { تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَـٰسِرَةٌ } أي ذاتُ خسرانٍ أو خاسرةٌ أصحابُها، أيْ إنْ صحَّتْ فنحنُ إذنْ خاسرونَ لتكذيبَنا بهَا. وقولُه تعالَى: { فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وٰحِدَةٌ } تعليلٌ لمقدَّرٍ يقتضيهِ إنكارُهم لإحياءِ العظامِ النخرةِ التي عبرُوا عنهَا بالكرَّةِ فإنَّ مدارَهُ لما كانَ استصعابُهم إيَّاها ردَّ عليهم ذلكَ فقيلَ: لا تستصعبُوهَا فإنَّما هيَ صيحةٌ واحدةٌ أي حاصلةٌ بصيحةٍ واحدةٍ وهي النفخةُ الثانيةُ عبِّر عنهَا بهَا تنبـيهاً عل كمال اتصالِها بها كأنَّها عينُها وقيلَ: هيَ راجعٌ إلى الرادفةِ. فقولُه تعالَى: { فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ } حينئذٍ بـيانٌ لترتب الكرّةِ على الزجرة مكافأةً أيْ فإذا هُم أحياءٌ على وجه الأرضِ بعدَ ما كانُوا أمواتاً في جَوفِها وعلى الأول بـيانٌ لحضورِهم الموقفَ عقيبَ الكرةِ التي عبرَ عنها بالزجرةِ. والساهرةُ الأرضُ البـيضاءُ المستويةُ، سُميتْ بذلكَ لأنَّ السرابَ يَجْري فيهَا من قولِهم: عينٌ ساهرةٌ جاريةُ الماءِ وفي ضِدِّهَا نائمةٌ وقيلَ: لأنَّ سالِكَها لا ينامُ خوفَ الهلكةِ، وقيل: اسمٌ لجهنمَ، وقالَ الراغبُ: هي وجهُ الأرضِ، وقيلَ: هيَ أرضُ القيامةِ. ورَوَى الضحَّاكُ عنِ ابنِ عباسٍ رضيَ الله عنهُمَا: أنَّ الساهرةَ أرضٌ من فضةٍ لم يُعصَ الله تعالَى عليهَا قطْ خلقَها حينئذٍ، وقيلَ: هيَ أرضٌ يجددها الله عزَّ وجلَّ يومَ القيامةِ، وقيلَ: هيَ اسمُ الأرضِ السابعةِ يأتِي بها الله تعالَى فيحاسبُ الخلائقَ عليها وذلك حين تبدلُ الأرضُ غيرَ الأرضِ، وقال الثوريُّ: الساهرةُ أرضُ الشامِ، وقال وهبُ بنُ منبهٍ: جبلُ بـيتِ المقدسِ، وقيل: الساهرةُ بمَعْنى الصحراء على شفيرِ جهنمَ.

وقولُه تعالَى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } كلامٌ مستأنفٌ واردٌ لتسلية رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من تكذيبِ قومِه بأنَّه يُصيبُهم مثلُ ما أصابَ من كانَ أَقْوى منهُم وأعظمَ. ومَعْنى هلْ أتاكَ: إنِ اعتُبرَ هذا أولَ ما أتاهُ عليه الصلاةُ والسلامُ من حديثِه عليه السلامُ ترغيبٌ له عليه الصلاةُ والسلامُ في استماعِ حديثِه كأنَّه قيلَ: هل أتاكَ حديثُه أنَا أُخبرَك بهِ وإنِ اعتُبرَ إتيانُه هذا وهُو المتبادرُ من الإيجازِ في الاقتصاصِ حملَهُ عليه الصلاةُ والسلامُ على أنْ يقرَّ بأمرٍ يعرفُه قبلَ ذلكَ كأنَّه قيلَ: قد أتاكَ حديثُه.