التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ
٢٢
فَحَشَرَ فَنَادَىٰ
٢٣
فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ
٢٤
فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ
٢٥
-النازعات

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ ثُمَّ أَدْبَرَ } أي تولَّى عن الطاعةِ أو انصرفَ عنِ المجلسِ { يَسْعَىٰ } أي يجتهدُ في معارضةِ الآيةِ أو أُريدَ ثم أقبلَ أي أنشأَ يسعَى فوضَع موضعَهُ أدبرَ تحاشياً عن وصفِه بالإقبالِ وقيلَ: أدبرَ هارباً من الثعبانِ فإنَّه رُويَ أنَّه عليهِ الصلاةُ والسلامُ لَمَّا ألقَى العَصَا انقلبتْ ثُعباناً أشعرَ فاغراً فاهُ بـين لَحْيـيهِ ثمانونَ ذراعاً وضعَ لحيَهُ الأسفلَ عَلى الأرضِ والأَعْلى على سُورِ القصرِ فتوجَّهَ نحوَ فرعونَ فهربَ وأحدثَ وانهزم الناسُ مزدحمينَ فماتَ منهُم خمسةٌ وعشرونَ ألفاً من قومِه وقيلَ: إنها حينَ انقلبتْ حيةً ارتفعتْ في السماءِ قدرَ ميلٍ ثمَّ انحطتْ مقبلةً نحوَ فرعونٍ وجعلتْ تقولُ: يا مُوسَى مُرنِي بما شئتَ ويقولُ فرعونُ: أنشدكَ بالذي أرسلكَ إلا أخذتَهُ فأخذَهُ فعادَ عصا ويأباهُ أنَّ ذلكَ كانَ قبلَ الإصرار على التكذيبِ والعصيانِ والتصدِّي للمعارضة كما يعربُ عنه قولُه تعالَى: { فَحَشَرَ } أي فجمعَ السحرةَ لقولِه: { { فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِى ٱلْمَدَائِنِ حَـٰشِرِينَ } [سورة الشعراء، الآية 53] وقوله تعالى: { { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ } [سورة طه، الآية 60] أي ما يُكادُ به من السحرة وآلاتِهم وقيلَ: جنودُه ويجوزُ أنْ يرادَ جميعُ الناسِ { فَنَادَىٰ } في المجمع بنفسه أو بواسطة المُنادِي { فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } قيلَ: قامَ فيهم خطيباً فقال تلكَ العظيمةَ.

{ فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } النكالُ بمَعْنى التنكيلِ كالسلامِ بمعنى التسليمِ وهو التعذيبُ الذي ينكلُ منْ رآهُ أو سمعَهُ ويمنعُه من تعاطِي ما يُفضِي إليهِ ومحلُّهُ النصبُ على أنَّه مصدرٌ مُؤكدٌ كوعدَ الله وصبغةَ الله كأنَّه قيلَ: نكَّلَ الله به نكالَ الآخرةِ والأُولى وهو الإحراقُ في الآخرة والإغراقُ في الدُّنيا وقيلَ: مصدرٌ لأخذَ أي أخذَهُ الله أخذَ نكالِ الآخرةِ الخ، وقيلَ: مفعولٌ له أي أخذَهُ لأجل نكالِ الخ، وقيلَ: نُصبَ على نزع الخافضِ أي أخذَهُ بنكال الآخرةِ والأُولى وإضافتُه إلى الدارين باعتبار وقوعِ نفسِ الأخذِ فيهمَا لا باعتبارِ أنَّ ما فيهِ من مَعْنى المنعِ يكونُ فيهمَا فإن ذلكَ لا يتصورُ في الآخرةِ بل في الدُّنيا فإن العقوبةَ الأخرويةَ تنكلُ من سمعَها وتمنعُه من تعاطِي ما يُؤدي إليها لا محالةَ وقيلَ: المرادُ بالآخرةِ والأُولى قولُه: { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } وقولُه: { { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى } [سورة القصص، الآية 38] قيل: كان بـينَ الكلمتينِ أربعونَ سنةً فالإضافةُ إضافةُ المسبِّبِ إلى السببِ.