التفاسير

< >
عرض

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ
٢٦
ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا
٢٧
رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا
٢٨
وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا
٢٩
-النازعات

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي فيمَا ذُكِرَ من قصة فرعونَ وما فَعَل وما فُعلِ به { لَعِبْرَةً } عظيمةً { لّمَن يَخْشَىٰ } أي لمَنْ مِنْ شأنِه أنْ يخشَى وهو مَنْ مِنْ شأنِه المعرفةُ وقولُه تعالَى: { ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً } خطابٌ لأهل مكةَ المنكرين للبعث بناءً على صعوبتِه في زَعْمِهم بطريقِ التوبـيخِ والتبكيتِ بعدَ ما بـيّنَ كمالُ سهولتِه بالنسبةِ إلى قُدرةِ الله تعالى بقولِه تعالى: { { فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وٰحِدَةٌ } [سورة الصافات، الآية 19] أي أخلقُكُم بعد موتِكم أشدُّ أي أشقُّ وأصعبُ في تقديرِكم { أَمِ ٱلسَّمَاء } أي أمْ خلقُ السماءِ على عِظَمِها وانطوائِها على تعاجيبِ البدائعِ التي تحارُ العقولُ عن ملاحظةِ أدناهَا كقولِه تعالى: { { لَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } [سورة غافر، الآية 57] وقولِه تعالى: { { أَوَ لَيْسَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ } [سورة يس، الآية 81] وقولِه تعالى: { بَنَـٰهَا } الخ، بـيانٌ وتفصيلٌ لكيفيةِ خلقِها المستفادِ من قولِه: أمِ السماءُ وفي عدمِ ذكرِ الفاعلِ فيه وفيما عُطفَ عليهِ من الأفعالِ من التنبـيهِ على تعينِه وتفخيمِ شأنِه عزَّ وجلَّ ما لا يَخْفى. وقولُه تعالى: { رَفَعَ سَمْكَهَا } بـيانٌ للبناء أي جعلَ مقدارَ ارتفاعِها من الأرضِ وذهابِها إلى سمتِ العلوِّ مديداً رفيعاً مسيرةً خمسمائةِ عامٍ { فَسَوَّاهَا } فعدَّلها مستويةً ملساءَ ليسَ فيها تفاوتٌ ولا فطورٌ أو فتممَها بما عَلم أنها تتمُّ بهِ من الكواكبِ والتداويرِ وغيرِها مما لا يعلمُه إلا الخلاَّقُ العليمُ من قولِهم: سَوَّى أمرَ فلانٍ إذا أصلَحَهُ { وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا } أي جعلَه مظلماً يقال: غطشَ الليلُ وأغطشَهُ الله تعالَى كما يقالُ: ظلَم وأظلَمَهُ وقد مَرَّ هذا في قولِه تعالى: { { وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } [سورة البقرة، الآية 20] ويقال أيضاً أغطشَ الليلُ كما يقالُ أظلمَ { وَأَخْرَجَ ضُحَـٰهَا } أي أبرزَ نهارَهَا عبرَ عنْهُ بالضُّحىَ لأنه أشرفُ أوقاتهِ وأطيبُها فكانَ أحقَّ بالذكرِ في مقامِ الامتنانِ وهو السرُّ في تأخيرِ ذكرِ الليلِ وفي التعبـيرِ عن إحداثهِ بالاخراجِ فإنَّ إفاضةَ النورِ بعد الظلمةِ أتمُّ في الإنعامِ وأكملُ في الإحسانِ وإضافةُ الليلِ والضُّحى إلى السماء لدوران حدوثهما على حركتها ويجوز أن تكون إضافة الضحى إليها بواسطةِ الشمسِ أي أبرزَ ضوءَ شمسِها والتعبـيرُ عنه بالضُّحى لأنَّه وقتُ قيامِ سُلطانها وكمالِ إشراقِها.