التفاسير

< >
عرض

وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ
٣٦
فَأَمَّا مَن طَغَىٰ
٣٧
وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا
٣٨
فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ
٣٩
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ
٤٠
فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ
٤١
-النازعات

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَبُرّزَتِ ٱلْجَحِيمُ } عطفٌ على جاءتْ أي أظهرتْ إظهاراً بـيناً لا يَخْفى على أحدٍ { لِمَن يَرَىٰ } كائناً من كانَ. يُروى أنه يكشفُ عنها فتتلظَّى فيراهَا كلُّ ذي بصرٍ وقرىء وبُرِزَتْ بالتخفيفِ ولمن رَأَى ولمن تَرَى على أن فيهِ ضميرَ الجحيمِ كما في قولِه تعالى: { { إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [سورة الفرقان، الآية 12] وعلى أنه خطابٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم أي لمَنْ تراهُ من الكفارِ وقولُه تعالَى: { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } الخ، جوابُ فإذَا جاءتْ على طريقةِ قولِه تعالَى: { { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى } [سورة البقرة، الآية 38] الآيةَ، وقيلَ: هُو تفصيلٌ للجوابِ المحذوفِ تقديرُه انقسمِ الراؤونَ قسمينِ فأمَّا من الخ، والذي تستدعيهِ فخامةُ التنزيلِ ويقتضيه مقامُ التهويلِ أنَّ الجوابَ المحذوفَ كانَ من عظائمِ الشؤونِ ما لَم تُشاهِدْهُ العيونُ كما مرَّ في قولِه تعالى: { { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ } [سورة المائدة، الآية 109] أي فأما من عَتا وتمردَ عن الطاعةِ وجاوزَ الحدَّ في العصيانِ { وَءَاثَرَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } الفانيةَ التي هي على جناحِ الفواتِ فانهمكَ فيما متعَ به فيهَا ولم يستعدَّ للحياةِ الأخرويةِ الأبديةِ بالإيمانِ والطاعةِ { فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ } التي ذُكِرَ شأنُها { هِىَ ٱلْمَأْوَىٰ } أي هيَ مأواهُ واللامُ سادَّةٌ مسدَّ الإضافةِ للعلمِ بأن صاحبَ المَأْوى هو الطاغِي كما في قولِكَ: غُضَّ الطَّرْفَ، ودخولُ اللامِ في المَأوى والطرفِ للتعريفِ لأنهما معروفانِ وهيَ إما ضميرُ فصلٍ أو مبتدأٌ. قيلَ: نزلتْ الآيةُ في النضرِ وأبـيهِ الحارثِ المشهورينِ بالغُلوِّ في الكُفرِ والطغيانِ { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ } أيْ مقامَهُ بـين يَدَيْ مالكِ أمرِه يومَ الطامةِ الكُبرَى يومَ يتذكرُ الإنسانُ ما سعَى { وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } عن الميلِ إليهِ بحكمِ الجبلةِ البشريةِ ولم يعتدَّ بمتاعِ الحياةِ الدُّنيا وزهرتِها ولم يغترَّ بزخارفِها وزينتِها علماً منه بوخامة عاقبتِها.

{ فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِىَ ٱلْمَأْوَىٰ } لهُ لا غيرُهَا وقيلَ: نزلتْ الآيتانِ في أبِـي عزيزِ بنِ عميرٍ ومصعب بنِ عميرٍ وقد قتلَ مصعبٌ أخاهُ أبا عزيزٍ يومَ أحدٍ ووقَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حتى استُشهدَ رضيَ الله عنْهُ هذا وقد قيلَ: جوابُ إذَا مَا يدلُّ عليهِ قولُه تعالَى: { { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ } [سورة النازعات، الآية 35] الخ، أيْ فإذَا جاءتِ الطامةُ الكُبْرى يتذكرُ الإنسانُ ما سَعَى على طريقةِ قولِه تعالَى: { { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ } [سورة التكوير، الآية 14] وقوله تعالى: { { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } [سورة الانفطار، الآية 5] فيكونُ قولُه تعالَى: { وَبُرّزَتِ ٱلْجَحِيمُ } [سورة الشعراء، الآية 91 وسورة النازعات، الآية 36] عطفاً عليهِ، وصيغةُ الماضِي للدلالةِ على التحققِ، أو حالاً من الإنسانِ بإضمارِ قدْ، أو بدونِه على اختلافِ الرأيـينِ، ولمنْ يَرَى مغنٍ عن العائدِ. وقولُه تعالى: { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } الخ، تفصيلاً لحالَيْ الإنسانِ الذي يتذكرُ ما سَعَى وتقسيماً لهُ بحسبِ أعمالِه إلى القسمينِ المذكورينِ.