التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا
٤٢
فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَٰهَا
٤٣
إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَٰهَآ
٤٤
إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَٰهَا
٤٥
-النازعات

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَـٰهَا } مَتَى إرساؤُها أي إقامتُها يريدونَ متى يقيمُها الله تعالَى ويُثبتُها ويُكَوِّنُها وقيل: أيانَ مُنتهاهَا ومُستقرهَا كما أنَّ مَرسى السفينةِ حيثُ تنتهي إليهِ وتستقرُّ فيهِ. وقولُه تعالَى: { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا } إنكارٌ وردٌّ لسؤالِ المشركينَ عنْهَا أيْ في أيِّ شيءٍ أنتَ مِنْ أنْ تذكرَ لهُم وقتَها وتعلمهم بهِ حَتَّى يسألُونكَ بـيانَها، كقولِه تعالَى: { { يَسْـئَلُونَكَ كَأنَّكَ حَفِىٌ عَنْهَا } [سورة الأعراف، الآية 187] أي ما أنتَ من ذِكْراهَا لهُم وتبـيـينِ وقتِها في شيءٍ لأنَّ ذلكَ فرعُ علمكَ به وأنَّى لكَ ذلكَ وهو مما استأثرَ بعلمه علامُ الغيوبِ ومن قال بصدد التعليل فإنَّ ذكرَها لا يزيدُهم إلا غياً فقد نَأَى عن الحقِّ وقيلَ: فيمَ إنكارٌ لسؤالهم وما بعدَهُ من الاستئنافِ تعليلٌ للإنكار وبـيانٌ لبطلان السؤالِ أيْ فيمَ هذا السؤالُ ثمَّ ابتُدِىءَ فقيلَ: أنتَ من ذِكرَاها، أي إرسالُك وأنتَ خاتمُ الأنبـياءِ المبعوثُ في نسيم الساعةِ علامةٌ من علاماتِها، ودليلٌ يدُلُّهم على العلمِ بوقُوعِها عن قريبٍ فحسبُهم هذه المرتبةُ من العلمِ فمَعْنى قولِه تعالى: { إِلَىٰ رَبّكَ مُنتَهَـٰهَا } على هذا الوجهِ إليهِ تعالَى يرجعُ مُنْتهى علمِها أيْ علمُها بكُنهِها وتفاصيلُ أمرِها وقتَ وقوعِها لا إلى أحدٍ غيرِه وإنما وظيفتُهم أنْ يعلموا باقترابِها ومُشارفتِها، وقدْ حصلَ لهم ذلكَ بمبعثكَ، فما مَعْنى سؤالِهم عنها بعدَ ذلك. وأمَّا على الوجهِ الأولِ فمعناهُ إليهِ تعالَى انتهاءُ علمِها ليسَ لأحدٍ منه شيءٌ ما كائناً من كانَ فلأيِّ شيءٍ يسألونَكَ عنها.

وقولُه تعالى: { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَـٰهَا } على الوجه الأولِ تقريرٌ لما قبلَهُ من قوله تعالى: { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا } وتحقيقٌ لما هُو المرادُ منه وبـيانٌ لوظيفتِه عليه الصلاةُ والسلامُ في ذلكَ الشأنِ فإنَّ إنكارَ كونهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في شيءٍ من ذِكراهَا مما يُوهمُ بظاهرِه أنْ ليسَ له عليهِ الصلاةُ والسلامُ أنْ يذكرَها بوجهٍ من الوجوهِ فأُزيحَ ذلكَ ببـيانِ أنَّ المنفَى عنه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ذكرُهَا لهم بتعيـينِ وقتِها حسبَما كانُوا يسألونَهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عنهَا فالمَعْنى إنما أنتَ منذرُ من يخشاهَا، وظيفتُكَ الامتثالُ بما أُمرتَ من بـيانِ اقترابِها وتفصيلِ ما فيها من فنونِ الأهوالِ كما تحيطُ به خبراً، لا تعيـينِ وقتِها الذي لم يُفوضْ إليكَ فما لهم يسألونَكَ عمَّا ليسَ من وظائِفكَ بـيانُه. وعلى الوجهِ الثانِي هو تقريرٌ لقولِه تعالى: { أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا } ببـيانِ أنَّ إرسالَهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وهو خاتمُ الأنبـياءِ عليهم السلامُ منذرٌ بمجيءِ الساعةِ كما ينطقُ به قولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "بعثتُ أنَا والساعةَ كهاتينِ إنْ كادتْ لتسبقُني" . وقُرِىءَ منذرٌ بالتنوينِ وهو الأصلُ والإضافةُ تخفيفٌ صالحٌ للحالِ والاستقبالِ، فإذا أُريدَ الماضِي تعينتِ الإضافةُ. وتخصيصُ الإنذارِ بمن يخشَى مع عمومِ الدعوةِ لأنَّه المنتفعُ بهِ.