التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
١٣
ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ
١٤
-الأنفال

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ ذٰلِكَ } إشارةٌ إلى ما أصابهم من العقاب، وما فيه من معنى البُعد للإيذان ببُعد درجتِه في الشدة والفظاعةِ، والخطابُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحدٍ ممن يليق بالخطاب، ومحلُّه الرفعُ على الابتداء وخبرُه قوله تعالى: { بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي ذلك العقابُ الفظيعُ واقعٌ عليهم بسبب مُشاقّتِهم ومغالبتِهم مَنْ لا سبـيلَ إلى مغالبته أصلاً، واشتقاقُ المشاقةِ من الشِّق لِما أن كلاًّ من المُشاقَّين في شِقّ الآخر كما أن اشتقاقَ المُعاداةِ والمُخاصمة من العَدْوة والخَصْم أي الجانب لأن كلاًّ من المتعاديَـيْن والمتخاصمَين في عَدوةٍ وخصمٍ غيرِ عدوةِ الآخر وخصمِه { وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } الإظهارُ في موضع الإضمار لتربـية المهابةِ وإظهار كمالِ شناعة ما اجترأوا عليه والإشعارِ بعلة الحُكم. وقوله تعالى: { فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } إما نفسُ الجزاءِ قد حُذف منه العائد إلى (مَنْ) عند من يلتزمه، أي شديدُ العقاب له، أو تعليلٌ للجزاء المحذوف أي يعاقبْه الله فإن الله شديدُ العقاب، وأياً ما كان فالشرطيةُ تكملةٌ لما قبلها وتقريرٌ لمضمونه وتحقيقٌ للسببـية بالطريق البرهاني، كأنه قيل: ذلك العقابُ الشديد بسبب مشاقّتِهم لله تعالى ورسولِه وكلُّ من يشاقق الله ورسولَه كائناً مَنْ كان فله بسبب ذلك عقابٌ شديدٌ فإذن لهم بسبب مشاقّتِهم لهما عقابٌ شديد، وأما أنه وعيدٌ لهم بما أعد لهم في الآخرة بعد ما حاق بهم في الدنيا كما قيل فيرده ما بعده من قوله تعالى: { ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ } فإنه ـ مع كونه هو المسوقَ للوعيد بما ذُكر ـ ناطقٌ بكون المرادِ بالعقاب المذكورِ ما أصابهم عاجلاً سواءٌ جُعل ذلكم إشارةً إلى نفس العقابِ أو إلى ما تفيده الشرطيةُ من ثبوت العقابِ لهم، أما على الأول فلأن الأظهرَ أن محلَّه النصبُ بمضمر يستدعيه قولُه تعالى: { فَذُوقُوهُ }، والواو في قوله تعالى: { وَأَنَّ لِلْكَـٰفِرِينَ } الخ بمعنى مع فالمعنى باشروا ذلكم العقابَ الذي أصابكم فذوقوه عاجلاً مع أن لكم عذابَ النارِ آجلاً، فوضْعُ الظاهر موضعَ الضميرِ لتوبـيخهم بالكفر وتعليلِ الحُكم به، وأما على الثاني فلأن الأقربَ أن محله الرفعُ على أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ، وقولُه تعالى: { وَأَنَّ لِلْكَـٰفِرِينَ } الخ معطوفٌ عليه، والمعنى حُكمُ الله ذلكم، أي ثبوتُ هذا العقابِ لكم عاجلاً وثبوتُ عذابِ النارِ آجلاً، وقوله تعالى: { فَذُوقُوهُ } اعتراضٌ وُسِّط بـين المعطوفَيْن للتهديد، والضميرُ على الأول لنفس المشارِ إليه وعلى الثاني لما في ضمنه، وقد ذُكر في إعراب الآيةِ الكريمةِ وجوهٌ أُخَرُ، ومدارُ الكلِّ على أن المرادَ بالعقاب ما أصابهم عاجلاً والله تعالى أعلم، وقرىء بكسر إن على الاستئناف.