التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٢٤
وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٢٥
-الأنفال

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } تكريرُ النداء مع وصفهم بنعت الإيمانِ لتنشيطهم إلى الإقبال على الامتثال بما يردُ بعدَه من الأوامر وتنبـيهِهم على أن فيهم ما يوجب ذلك { ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } بحسن الطاعة { إِذَا دَعَاكُمْ } أي الرسولُ إذ هو المباشرُ لدعوة الله تعالى { لِمَا يُحْيِيكُمْ } من العلوم الدينيةِ التي هي مناطُ الحياة الأبدية كما أن الجهَل مدارُ الموتِ الحقيقيِّ أو هي ماءُ حياةِ القلبِ كما أن الجهلَ موجبٌ موتَه، وقيل: لمجاهدة الكفارِ لأنهم لو رفضوها لغلبوهم وقتلوهم كما في قوله تعالى: { وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَوٰةٌ } [البقرة: 179] روي "أنه عليه الصلاة والسلام (مر على أُبـيَّ بن كعب وهو يصلي فدعاه فعجّل في صلاته ثم جاء فقال عليه الصلاة والسلام: ما منعك من إجابتي؟ قال: كنت في الصلاة قال: ألم تخبَرْ فيما أوحِيَ إلي { ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ } " الخ). واختلف فيه فقيل: هذا من خصائص دعائه عليه الصلاة والسلام وقيل: لأن إجابته عليه الصلاة والسلام لا تقطع الصلاةَ وقيل: كان ذلك الدعاءُ لأمر مهم لا يحتمل التأخيرَ وللمصلي أن يقطع الصلاةَ لمثله { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْء وَقَلْبِهِ } تمثيلٌ لغاية قربِه تعالى من العبد كقوله تعالى: { { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } [ق: 16] وتنبـيهٌ على أنه تعالى مطلعٌ من مكنونات القلوب على ما عسى يغفُل عنه صاحبُها أو حثٌّ على المبادرة إلى إخلاص القلوبِ وتصفيتِها قبل إدراك المنيةِ فإنها حائلةٌ بـين المرء وقلبِه أو تصويرٌ وتخيـيلٌ لتملّكه على العبد قلبَه بحيث يفسخ عزائمهُ ويغيّر نياتِه ومقاصدَه ويحول بـينه وبـين الكفر إن إراد سعادتَه ويبدله بالأمن خوفاً وبالذكر نسياناً وما أشبه ذلك من الأمور المعترضةِ المفوتةِ للفرصة، وقرىء (بـين المرِّ) بتشديد الراء على حذف الهمزة وإلقاء حركتها على الراء وإجراء الوصل مجرى الوقف { وَأَنَّهُ } أي الله عز وجل أو الشأن { إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } لا إلى غيره فيجازيكم بحسب مراتبِ أعمالِكم فسارعوا إلى طاعته تعالى وطاعةِ رسولِه وبالغوا في الاستجابة لهما.

{ وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } أي لا تختصّ إصابتُها بمن يباشر الظلمَ منكم بل يعُمه وغيرَه كإقرار المُنكَر بـين أظهُرِهم والمداهنةِ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وافتراقِ الكلمةِ وظهورِ البدع والتكاسلِ في الجهاد، على أن قوله: لا تصيبن الخ إما جوابُ الأمر على معنى أن إصابتكم لا تصيبن الخ وفيه أن جوابَ الشرط مترددٌ فلا يليق به النونُ المؤكدةُ لكنه لما تضمن معنى النهي ساغ فيه كقوله تعالى: { ٱدْخُلُواْ مَسَـٰكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ } [النحل: 18] وإما صفةٌ لفتنة ولا للنفي وفيه شذوذٌ لأن النون لا تدخُل المنفيَّ في غير القسمِ، أو للنهي على إرادة القولِ كقول من قال:

حتى إذا جَنّ الظلامُ واختلطجاؤوا بمذْقٍ هل رأيتَ الذئب قطّ

وأمّا جوابُ قسم محذوفٍ كقراءة من قرأ: لتصيبن وإن اختلف المعنى فيهما، وقد جُوِّز أن يكون نهياً عن التعرض للظلم بعد الأمرِ باتقاء الذنبِ فإن وبالَه يصيب الظالمَ خاصةً ويعود عليه ومِنْ في منكم على الوجوه الأُوَلِ للتبعيض وعلى الأخرين للتبـيـين، وفائدتُه التنبـيهُ على أن الظلمَ منكم أقبحُ منه من غيركم { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } ولذلك يصيب بالعذاب من لم يباشِرْ سببَه.