{ وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ } أي نكثَ ما بايعوك عليه من الإسلام وهذا كلامٌ مسوقٌ من جهته تعالى لتسليته عليه الصلاة والسلام بطريق الوعدِ له والوعيد لهم { فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ } بكفرهم ونقضِ ما أخذ على كل عاقلٍ من ميثاقه { فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ } أي أقدرَك عليهم حسبما رأيتَ يومَ بدر فإن أعادوا الخيانةَ فاعلم أنه سيُمكنك منهم أيضاً، وقيل: المرادُ بالخيانة منعُ ما ضمِنوا من الفداء وهو بعيد { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } فيعلم ما في نياتهم وما يستحقونه من العقاب { حَكِيمٌ } يفعل كلَّ ما يفعله حسبما تقتضيه حكمتُه البالغة { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَهَاجَرُواْ } هم المهاجرون هاجروا أوطانَهم حباً لله تعالى ولرسوله { وَجَـٰهَدُواْ بِأَمْوٰلِهِمْ } بأن صرفوها إلى الكُراع والسلاح وأنفقوها على المحاويج { وَأَنفُسِهِمْ } بمباشرة القتال واقتحامِ المعارك والخوضِ في المهالك { فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } متعلقٌ بجاهدوا، قيدٌ لنوعي الجهادِ، ولعل تقديمَ الأموال على الأنفس لما أن المجاهدةَ بالأموال أكثرُ وقوعاً وأتمُّ دفعاً للحاجة حيث لا يُتصور المجاهدةُ بالنفس بلا مجاهدة بالمال { وَٱلَّذِينَ ءاوَواْ وَّنَصَرُواْ } هم الأنصارُ آوَوا المهاجرين وأنزلوهم منازلَهم وبذلوا إليهم أموالَهم وآثروهم على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة ونصروهم على أعدائهم { أُوْلَـٰئِكَ } إشارةٌ إلى الموصوفين بما ذكر من النعوت الفاضلةِ، وما فيه من معنى البُعد للإيذان بعلو طبقتِهم وبُعدِ منزلِتهم في الفضيلة وهو مبتدأ وقوله تعالى: { بَعْضُهُمْ } إما بدلٌ منه وقوله تعالى: { أَوْلِيَاء بَعْضٍ } خبرُه وإما مبتدأٌ ثانٍ وأولياءُ بعضٍ خبرُه والجملةُ خبرٌ للمبتدأ الأول أي بعضُهم أولياءُ بعضٍ في الميراث، وقد كان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة والنُصرة دون الأقاربِ حتى نُسخ بقوله تعالى:
{ { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ } [الأنفال: 75, الأحزاب:6] الآية، وقيل: في النُصرة والمظاهرة، ويردُه قوله تعالى: { فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ } بعد نفي موالاتِهم { وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا } كسائر المؤمنين { مَا لَكُم مّن وَلـٰيَتِهِم مّن شَىْء } أي من تولّيهم في الميراث وإن كانوا من أقرب أقاربِكم { حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } وقرىء بكسر الواو تشبـيهاً بالعمل والصناعة كالكتابة والإمارة { وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِى ٱلدّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ } فواجبٌ عليكم أن تنصُروهم على المشركين { إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ } منهم { بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَـٰقٌ } معاهدةٌ فإنه لا يجوز نقضُ عهدِهم بنصرهم عليهم { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فلا تخالفوا أمرَه كيلا يحِلَّ بكم عقابُه.