التفاسير

< >
عرض

أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ
٤
أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ
٥
فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ
٦
وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ
٧
وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ
٨
وَهُوَ يَخْشَىٰ
٩
فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ
١٠
كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ
١١
فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ
١٢
-عبس

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقولُه تعالى: { أَوْ يَذَّكَّرُ } عطفٌ على يزكَّى داخلٌ معه في حكم الترجِّي. وقولُه تعالَى: { فَتَنفَعَهُ ٱلذّكْرَىٰ } بالنصب على جواب لعلَّ وقُرِىءَ بالرفع عطفاً على يذكَّرُ أي أو يتذكرُ فتنفعُه موعظتُك إنْ لم يبلغْ درجةَ التزكِّي التامِّ، وقيلَ: الضميرُ في لعلَّه للكافر فالمَعْنى أنك طمعتَ في أنْ يتزكَّى أو يذكرَ فتقربُه الذكرَى إلى قبولِ الحقِّ ولذلكَ توليتَ عن الأَعْمى وما يُدريكَ أن ذلكَ مرجُّوُ الوقوعِ { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ } أي عن الإيمان وعما عندك من العلوم والمعارفِ التي ينطوي عليها القرآنُ { فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } أي تتصدَّى وتتعرضُ بالإقبالِ عليهِ والاهتمامِ بإرشادِه واستصلاحِه وفيه مزيدُ تنفيرٍ له عليه الصلاةُ والسلامُ عن مصاحبتِهم فإن الإقبالَ على المُدبرِ ليسَ من شيمِ الكبارِ وقُرِىءَ تصَّدَّى بإدغام التاءِ في الصَّادِ وقُرِىءَ تُصدى بضمِّ التاءِ أيْ تُعرضُ ومعناهُ يدعوكَ إلى التصدِّي له داعٍ من الحرص والتهالكُ على إسلامِه { وَمَا عَلَيْكَ ألاَّ يَزَّكَّىٰ } وليسَ عليكَ بأسٌ في أنْ لا يتزكَّى بالإسلام حتَّى تهتمَّ بأمره وتعرضَ عمَّن أسلمَ والجملةُ حال من ضمير تصدى وقيل: ما استفهامية للإنكار أيْ أيُّ شيء عليك في أن لا يتزكى ومآله النفيُ أيضاً.

{ وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَىٰ } أيْ حالَ كونِه مسرعاً طالباً لما عندكَ من أحكام الرشدِ وخصالِ الخيرِ { وَهُوَ يَخْشَىٰ } أي الله تعالَى وقيلَ: يخشَى أذيةَ الكفارِ في إتيانِك وقيلَ: يخشى الكبوةَ إذ لم يكن معهُ قائدٌ والجملةُ حالٌ من فاعلِ يسعَى كمَا أنه حالٌ من فاعل جاءك { فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ } تتشاغلُ يقالُ: لَهَى عنه والتهِى وتَلهَّى. وقُرِىءَ تتلهى وتُلْهىٰ أي يُلهيك شأنُ الصناديدِ، وفي تقديم ضميرِه عليه الصلاةُ والسلامُ على الفعلينِ تنبـيهٌ على أنَّ مناطَ الإنكارِ خصوصيتُه عليه الصلاةُ والسلامُ أي مثلُك خصوصاً لا ينبغِي أن يتصدَّى للمستغنِي ويتلهَّى الفقيرَ الطالبَ للخيرِ وتقديمُ لَه وعنْهُ للتعريض باهتمامه عليه الصلاةُ والسلامُ بمضمونهما، رُويَ أنه عليه الصلاةُ والسلامُ ما عبسَ بعد ذلكَ في وجهِ فقيرٍ قط ولا تصدَّى لغنى { كَلاَّ } ردعٌ له عليه الصلاةُ والسلامُ عمَّا عُوتبَ عليهِ من التصدِّي لمن استغنَى عما دعاهُ إليهِ من الإيمانِ والطاعةِ وما يوجبهُما من القرآنِ الكريمِ مبالغاً في الاهتمامِ بأمرِه على إسلامِه معرضاً بسببِ ذلكَ عن إرشادِ من يسترشدُه وقولُه تعالى: { إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } أي موعظةٌ يجبُ أن يتعظَ بها ويعملَ بموجبِها تعليلٌ للردعِ عما ذُكِرَ ببـيانِ علوِّ رتبةِ القرآنِ العظيمِ الذي استغنى عنه من تصدَّى عليه الصلاةُ والسلامُ لهُ وتحقيقُ أنَّ شأنَهُ يكونُ موعظةً حقيقةً بالاتعاظِ بها فمن رغبَ فيها اتَّعظَ بها كما نطقَ به قولُه تعالى: { فَمَن شَاء ذَكَرَهُ } أي حفظَهُ واتَّعظَ بهِ ومن رغبَ عنهَا كما فعلَ المستغنيُّ فلا حاجةَ إلى الاهتمامِ بأمرِه فالضميرانِ للقرآنِ وتأنيثُ الأولُ لتأنيثِ خبرِه وقيلَ: الأولُ للسورةِ أو للآياتِ السابقةِ والثانِي للتذكرةِ والتذكيرِ لأنها في مَعْنى الذكرِ والوعظِ وليسَ بذلكَ فإن السورةَ والآياتِ وإن كانتْ متصفةً بما سيأتِي من الصفاتِ الشريفةِ لكنها ليستْ مما أُلقي على من استغنى عنه واستحقَ بسببِ ذلكَ ما سيأتِي من الدعاءِ عليهِ والتعجبِ من كفرِه المفرطِ لنزولِها بعد الحادثةِ وأما من جوَّز رجوعَهما إلى العتابِ المذكورِ فقد أخطأَ وأساءَ الأدبَ وخبطَ خبطاً يقضي منه العجبُ فتأمَّل وكُن على الحقِّ المبـينِ.