التفاسير

< >
عرض

عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ
١
أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ
٢
وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ
٣
-عبس

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

مكية وآيُها اثنتان وأربعون

{ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ * أَن جَاءهُ ٱلأَعْمَىٰ } رُويَ أنَّ ابنَ أمِّ مكتومٍ واسمُه عبدُ اللَّه بنُ شُريحِ بنِ مالكِ بنِ أبـي ربـيعةَ الفهريُّ وأمُّ مكتومٍ اسمُ أبـيهِ أتَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وعندَهُ صناديدُ قريشٍ عتبةُ وشيبةُ ابنا ربـيعةَ وأبُو جهل بنُ هشامٍ والعباسُ بنُ عبدِ المطلبِ وأميةُ بنُ خلفٍ والوليدُ بنُ المغيرةِ يدعُوهم إلى الإسلامِ رجاءَ أنْ يسلمَ بإسلامِهم غيرُهم فقالَ له: يا رسولَ الله أقرئْنِي وعلمنِي مما علمكَ الله تعالَى، وكررَ ذلكَ وهو لا يعلمُ تشاغلَهُ عليه الصلاةُ والسلامُ بالقوم فكرِه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قطعَهُ لكلامِه وعبسَ وأعرضَ عنه فنزلتْ. فكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يكرمُه ويقولُ إذا رآه: "مرحباً بمن عاتبَني فيه ربِّـي" ويقولُ لهُ: "هل لكَ من حاجةٍ" واستخلفَهُ على المدينة مرتينِ وقرىء عبَّس بالتشديدِ للمبالغةِ وأنْ جاءَهُ علةٌ لتولَّى أو عَبَس على اختلافِ الرأيـينِ أيْ لأَنْ جاءَهُ الأعمى والتعرضُ لعنوانِ عماهُ إمَّا لتمهيدِ عُذرِه في الإقدامِ على قطعِ كلامِه عليه الصلاةُ والسلامُ بالقومِ والإيذانِ باستحقاقِه بالرفقِ والرأفةِ وإمَّا لزيادةِ الإنكارِ كأنَّه قيلَ: تولَّى لكونِه أَعْمى كما أنَّ الالتفاتَ في قولِه تعالى: { وَمَا يُدْرِيكَ } لذلكَ فإنَّ المشافهةَ أدخلُ في تشديدِ العتابِ أيْ وأيُّ شيءٍ يجعلُكَ دارياً بحالِه حتى تُعرضَ عنْهُ وقولُه تعالى: { لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } استئنافٌ واردٌ لبـيانِ ما يلوحُ به ما قبلَه فإنه معَ إشعارِه بأنَّ له شأناً منافياً للإعراضِ عنه خارجاً عن درايةِ الغيرِ وادرائِه مؤذنٌ بأنه تعالَى يُدريه ذلكَ أي لعلَّه يتطهرُ بما يقتبسُ منكَ من أوضارِ الأوزارِ بالكليةِ وكلمةُ لعلَّ مع تحققِ التزكِّي واردةٌ على سَننِ الكبرياءِ أو على اعتبارِ مَعْنى الترجِّي بالنسبةِ إليه عليه الصلاةُ والسلامُ للتنبـيه على أن الإعراضَ عنه عند كونِه مرجوَّ التزكِّي مما لا يجوزُ فكيفَ إذا كان مقطوعاً بالتزكِّي كما في قولِك: لعلَّك ستندمُ على ما فعلتَ وفيه إشارةٌ إلى أنَّ من تصدَّى لتزكيتهم من الكفرة لا يُرجى منهم التزكِّي والتذكُّرِ أصلاً.