التفاسير

< >
عرض

فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ
٢٤
أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً
٢٥
ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً
٢٦
فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً
٢٧
-عبس

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَـٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } شروعٌ في تعدادِ النعمِ المتعلقةِ ببقائِه بعد تفصيلِ النعمِ المتعلقةِ بحدوثِه أي فلينظرْ إلى طعامِه الذي عليه يدورُ أمرُ معاشهِ كيفَ دبرنَاهُ. وقولُه تعالى: { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَاء صَبّاً } أي الغيثَ بدلُ اشتمالٍ من طعامِه لأنَّ الماءَ سببٌ لحدوثِ الطعامِ فهُو مشتَملٌ عليهِ. وقُرِىءَ إنَّا على الاستئنافِ، وقُرِىءَ أنى بالإمالةِ. أي كيفَ صببَنا إلى آخرِه أي صببنَاهُ صَّباً عجيباً. { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ } أي بالنباتِ { شَقّاً } بديعاً لائقاً بما يشقُّها من النباتِ صِغَراً وكِبرَاً وشكلاً وهيئةً. وحملُ شقِّها على ما بالكرابِ بجعلِ إسنادِه إلى نونِ العظمةِ من قبـيلِ إسنادِ الفعلِ إلى سببِه يأباهُ كلمةُ ثمَّ. والفاءُ في قولِه تعالى: { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } فإنَّ الشقَّ بالمَعْنى المذكور لا ترتبَ بـينَهُ وبـين الأمطارِ أصلاً ولا بـينَهُ وبـينَ إنباتِ الحبِّ بلا مُهلةٍ. وإنَّما الترتيبُ بـين الأمطارِ وبـينَ الشقِّ بالنبات على التراخِي المعهودِ وبـين الشقِّ المذكورِ وبـينَ إنباتِ الحبِّ بلا مُهلةٍ، فإنَّ المرادَ بالنبات ما نبتَ من الأرضِ إلى أنْ يتكاملَ النموُّ وينعقدَ الحبُّ فإنَّ انشقاقَ الأرضِ بالنباتِ لا يزالُ يتزايدُ ويتسعُ إلى تلكَ المرتبةِ على أنَّ مساقَ النظمِ الكريمِ لبـيانِ النعمِ الفائضةِ من جنابهِ تعالى على وجهٍ بديعٍ خارجٍ عن العاداتِ المعهودةِ كما ينبىءُ عنه تأكيدُ الفعلينِ بالمصدرينِ فتوسيطُ فعلِ المنعمِ عليهِ في حصولِ تلك النعمِ مخلٌّ بالمرامِ.