التفاسير

< >
عرض

وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ
٢٧
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ
٢٨
إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ
٢٩
وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ
٣٠
وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ
٣١
وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ
٣٢
وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ
٣٣
-المطففين

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } عطفٌ على ختامُه، صفةٌ أخرى لرحيقٍ مثله وما بـينَهما اعتراضٌ مقررٌ لنفاستِه أي ما يمزجُ به ذلكَ الرحيقُ من ماءِ تسنيمٍ على أنَّ مِنْ بـيانيةٌ أو تبعيضيةٌ أو من نفِسه على أنَّها ابتدائيةٌ. والتسنيمُ علمٌ لعينٍ بعينِها سميتُ به إمَّا لأنَّها أرفعُ شرابٍ في الجنةِ، وإمَّا لأنَّها تأتيهُم من فوقِ. رُويَ أنَّها تجري في الهواءِ متسنمة فتنصب في أوانيهم { عَيْناً } نصبَ على الاختصاصِ وجوازُ أنْ يكونَ حالاً من تسنيمٍ مع كونِه جامداً لاتصافِه بقولِه تعالى: { يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ } فإنَّهم يشربونها صِرفاً وتمزجُ لسائر أهلِ الجنةِ فالباءُ مزيدةٌ أو بمَعْنى منْ. وقولُه تعالى:

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } الخ حكايةٌ لبعضِ قبائحِ مُشركي قريشٍ جيءَ بها تمهيداً لذكرِ بعضِ أحوالِ الأبرارِ في الجنةِ { كَانُواْ } في الدُّنيا { مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يَضْحَكُونَ } أي يستهزئونَ بفقرائهم كعمارٍ وصهيبٍ وخبَّابٍ وبلالٍ وغيرِهم من فقراءِ المؤمنينَ. وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ إمَّا للقصرِ إشعاراً بغايةِ شناعةِ ما فعلُوا أي كانُوا من الذينَ آمنوا يضحكونَ مع ظهور عدمِ استحقاقِهم لذلكَ على منهاج قولِه تعالى: { أَفِى ٱللَّهِ شَكٌّ } [سورة إبراهيم، الآية 10] أو لمراعاةِ الفواصلِ. { وَإِذَا مَرُّواْ } أي فقراءُ المؤمنين { بِهِمُ } أي بالمشركينَ وهم في أنديتِهم وهو الأظهرُ إن جازَ العكسُ أيضاً { يَتَغَامَزُونَ } أي يغمزُ بعضهم بعضاً ويشيرونَ بأعينِهم { وَإِذَا ٱنقَلَبُواْ } من مجالسهِم { إِلَىٰ أَهْلِهِمْ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ } ملتذينَ بذكرِهم بالسوءِ والسخريةِ منهم وفيه إشارةٌ إلى أنَّهم كانُوا لا يفعلونَ ذلكَ بمرأى من المارينَ بهم ويكتفونَ حينئذٍ بالتغامزِ وقُرِىءَ فاكهينَ قيلَ: هُمَا بمَعْنَى، وقيلَ: فكهينَ أشرينَ، وقيلَ: فرحينَ وفاكهينَ متفكهينَ، وقيلَ: ناعمينَ، وقيلَ: مازحينَ. { وَإِذَا رَأَوْهُمْ } أينما كانُوا { قَالُواْ إِنَّ هَـؤُلاَء لَضَالُّونَ } أي نسبُوا المسلمينَ ممن رأوهم ومن غيرهم إلى الضلال بطريق التأكيد. { وَمَا أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ } على المسلمينَ { حَـٰفِظِينَ } حالٌ من واوِ قالُوا: أي قالوُا ذلكَ والحالُ أنَّهم من جهةِ الله تعالى موكلينَ بهم يحفظونَ عليهم أحوالَهم ويهيمنونَ على أعمالِهم ويشهدونَ برشدِهم وضلالِهم وهذا تهكمٌ بهم وإشعارٌ بأنَّ ما اجترأوا عليه من القولِ من وظائفِ من أرسلَ من جهتهِ تعالى وقد جُوِّز أن يكونَ ذلكَ من جملةِ قولِ المجرمينَ كأنَّهم قالُوا إنَّ هؤلاءِ لضالونَ وما أُرسلوا علينا حافظينَ إنكاراً لصدِّهم عن الشركِ ودعائِهم إلى الإسلامِ وإنما قيلَ: عليهم نقلاً له بالمعنى كما في قولك حلفَ ليفعلنَّ لا بالعبارةِ كما في قولِك حلف لأفعلنَّ.