التفاسير

< >
عرض

أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ
٤
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ
٥
يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٦
-المطففين

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقولُه تعالى: { أَلا يَظُنُّ أُوْلَـئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ } استئنافٌ واردٌ لتهويلِ ما ارتكبُوه من التطفيفِ والتعجيبِ من اجترائِهم عليهِ وأولئكَ إشارةٌ إلى المطففينَ ووضعُه موضعَ ضيمرِهم للإشعارِ بمناطِ الحُكمِ الذي هُو وصفُهم فإنَّ الإشارةَ إلى الشيءِ متعرضةٌ له من حيثُ اتِّصافُه بوصفِه وأما الضميرُ فلا يتعرضُ لوصفِه وللإيذانِ بأنَّهم ممتازونَ بذلكَ الوصفِ القبـيحِ عن سائرِ النَّاسِ أكملَ امتيازٍ نازلونَ منزلةَ المشارِ إليها إشارةً حسيةً، وما فيهِ منَ مَعْنى البُعدِ للإشعارِ ببُعدُ درجتِهم في الشَّرارةِ والفسادِ أي ألا يظنُّ أولئكَ الموصوفونَ بذلكَ الوصفِ الشنيعِ الهائلِ أنَّهم مبعوثونَ { لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } لا يُقادَرُ قدرُ عِظَمِه وعِظَمِ ما فيهِ ومحاسبونَ فيهِ على مقدارِ الذرةِ والخردلةِ فإنَّ من يظنُّ ذلكَ وإن كان ظناً ضعيفاً متاخماً للشكِّ والوهمِ لا يكادُ يتجاسرُ على أمثالِ هاتيكَ القبائحِ فكيفَ بمن تيقنُه وقولُه تعالَى:

{ يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي لحُكمِه وقضائِه منصوبٌ بإضمارِ أعنِي وقيلَ بمبعوثونَ أو مرفوعُ المحلِّ خبراً لمبتدأٍ مضمرٍ أو مجرورٌ بدلاً من يومٍ عظيمٍ مبنيٌّ على الفتحِ لإضافتِه إلى الفعلِ وإنْ كانَ مضارعاً كما هو رأيُ الكوفيـينَ ويؤيد الأخيرينِ القَراءةُ بالرفعِ وبالجَرِّ. وفي هَذا الإنكارِ والتعجيبِ وإيرادِ الظنِّ ووصفِ اليومِ بالعِظمِ وقيامِ الناسِ فيه كافَّة لله تعالَى خاضعينَ ووصفِه تعالَى بربوبـيةِ العالمينَ من البـيانِ البليغِ لعظمِ الذنبِ وتفاقمِ الإثمِ فِي التطفيفِ وأمثالِه ما لا يَخْفى.