التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ
٦
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ
٧
فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً
٨
وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً
٩
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ
١٠
فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً
١١
وَيَصْلَىٰ سَعِيراً
١٢
إِنَّهُ كَانَ فِيۤ أَهْلِهِ مَسْرُوراً
١٣
-الانشقاق

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبّكَ كَدْحاً } أي جاهدٌ ومجدٌّ إلى الموت وما بعدَهُ من الأحوالِ التي مُثِّلتْ باللقاءِ مبالغٌ في ذلكَ فإنَّ الكدحَ جهدُ النفسِ في العملِ والكدُّ فيهِ بحيثُ يؤثرُ فيها من كَدَحَ جلدَهُ إذا خدَشَةُ { فَمُلَـٰقِيهِ } أي فملاقٍ لهُ عقيبَ ذلكَ لا محالةَ من غيرَ صارفٍ يلويكَ عَنْهُ وقولُه تعالى: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } الخ. قيلَ: جوابُ إذا كَما في قولِه تعالى: { { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [سورة البقرة، الآية 38]. وقولُه تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ } الخ، اعتراضٌ وقيلَ: هو محذوفٌ للتهويل والإيماءِ إلى قصورِ العبارةِ عن بـيانِه أوْ للتعويلِ على دلالةِ ما مَرَّ في سورةِ التكويرِ والانفطارِ عليهِ وقيلَ: هو ما دلَّ عليهِ قولُه تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ } الخ تقديرُه لاقَى الإنسانُ كَدحَهُ وقيلَ: هو قولهُ تعالى فملاقيهِ وما قبله اعتراضٌ وقيلَ: هو يا أيها الإنسانُ الخ بإضمارِ القولِ ومعنى يسيراً سهلاً لا مناقشةَ فيه ولا اعتراضَ وعن الصديقةِ رضي الله عنها هُو أن يُعرّفَ ذنوبَهُ ثم يُتجاوزَ عَنْهُ { وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } أي عشيرتِه المؤمنينَ أو فريقَ المؤمنينَ مُبتهجاً بحالِه قائلاً هاؤمُ اقرؤوا كتابـيه، وقيلَ: إلى أهلهِ في الجنةِ من الحورِ والغلمانِ { وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ } أي يُؤتاهُ بشمالِه من وراءِ ظهرِه قيلَ: تُغلُّ يمناهُ إلى عنقِه ويجعلُ شمالُه وراءَ ظهرِه فيؤتى كتابَهُ بشمالِه وقيلَ: تخلعُ يدُه اليُسْرَى من وراءِ ظهرِه { فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً } أي يتمنَّى الثبورَ وهو الهلاكُ ويدعُوه ياثبوارهُ تعالَ فإنه أوانُكَ وأنَّى له ذلكَ { وَيَصْلَىٰ سَعِيراً } أي يدخلُها وقُرِىءَ يُصلّى كقوله تعالى: { { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } [سورة الواقعة، الآية 94] وقرىءَ ويصلى كما في قوله تعالى: { { نُصْلِيهِ نَاراً } [سورة النساء، الآية 30].

{ إِنَّهُ كَانَ فِى أَهْلِهِ } فيما بـينَ أهلِه وعشيرتِه في الدُّنيا { مَسْرُوراً } مترفاً بَطِراً مستبشراً كديدنِ الفجارِ الذينَ لا يهمهم ولا يخطُر ببالِم أمورُ الآخرةِ ولا يتفكرونَ في العواقبِ ولم يكُنْ حَزيناً متفكراً في حالهِ ومآلهِ كسنةِ الصلحاءِ والمتقينَ والجملةُ استئنافٌ لبـيانِ علةِ ما قَبلها.