التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ
١
وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ
٢
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ
٣
قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ
٤
-البروج

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

مكية وآيُها ثنتان وعشرون

{ وَٱلسَّمَاء ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } هيَ البروجُ الاثنَا عشرَ شبهتْ بالقصورِ لأنَّها تنزلُها السياراتُ ويكونُ فيِها الثوابتُ، أو منازلُ القمرِ أو عظامُ الكواكبِ سميتْ بروجاً لظهورِها أو أبوابِ السماءِ فإنَّ النوازلَ تخرجُ منها، وأصلُ التركيبِ للظهورِ { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } أي يومُ القيامةِ { وَشَـٰهِدٍ وَمَشْهُودٍ } أيْ ومَنْ يشهدُ في ذلكَ اليومِ من الخلائقِ وما يحضرُ فيهِ من العجائبُ، وتنكيرُهُمَا للإبهامِ في الوصفِ أي وشاهدٍ ومشهودٍ لا يُكتنهُ وصفُهُمَا أو للمبالغةِ في الكثرةِ وقيلَ: الشاهدُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم والمشهودُ يومُ القيامةِ، وقيلَ: عيسَى عليهِ السلامُ وأمتهُ لقولِه تعالى: { { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً } [سورة المائدة، الآية 117] الخ، وقيلَ: أمةُ محمدٍ وسائرُ الأممِ، وقيلَ: يومُ الترويةِ ويومُ عرفةٍ، وقيلَ: يومُ عرفةَ ويومُ الجمعةِ، وقيلَ: الحجرُ الأسودُ والحجيجُ، وقيلَ: الأيامُ والليالي وبنُو آدمَ. وعن الحسنِ مَا منْ يومٍ إلا ويُنادي إني يومٌ جديدٌ وإنِّي عَلى ما يعملُ فيَّ شهيدٌ فاغتنمني فَلَوْ غَابَتْ شَمْسِي لَمْ تُدركِني إلى يومِ القيامةِ. وقيلَ: الحفظةُ وبنُو آدمَ، وقيلَ: الأنبـياءُ ومحمدُ عليهم الصلاةُ السلامُ { قُتِلَ أَصْحَـٰبُ ٱلأُخْدُودِ } قيلَ: هوَ جوابُ القسمِ عَلَى حذفِ اللامِ منهُ للطولِ، والأصلُ لقتلَ كَمَا في قولِ مَنْ قالَ:

حَلَفتُ لَها بالله حِلْفَةَ فَاجِرلَنَامُوا فَمَا إنْ مِنْ حَدِيثٍ وَلاَ صَالِ

وقيلَ: تقديرُهُ لَقدْ قتلَ وأياً ما كانَ فالجملةُ خبريةٌ والأظهرُ أنَّها دعائيةٌ دالةٌ على الجوابِ كأنَّها قيلَ: أقسمُ بهذهِ الأشياءِ أنهمْ أيْ كفارَ مكةَ ملعونونَ كما لعنَ أصحابُ الأخدودِ لَمَّا أنَّ السورةَ وردتْ لتثبـيتِ المؤمنينِ عَلى ما هُمْ عليه من الإيمانِ وتصبـيرِهم على أذية الكفرةِ وتذكيرهم بما جرى عَلى من تقدمهُم من التعذيبِ على الإيمانِ وصبرُهُم عَلى ذلكَ حَتَّى يأنسوا بِهمْ ويصبُروا على ما كانُوا يلقونَ من قومِهم ويعلُموا أنَّ هؤلاءِ عندَ الله عزَّ وجلَّ بمنزلةِ أولئكِ المُعذِّبـينِ ملعونونَ مثلُهم أحقاءُ بأنْ يقالَ فيهمْ ما قَدْ قيلَ فيهمْ وقُرِىءَ قُتِّلَ بالتشديدِ والأخدودُ الخَدُّ في الأرضِ وهو الشقُّ ونحوهِما بناء ومعنى الحق والأحقوق. رُويَ عن النبـيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كانَ لبعضِ الملوكِ ساحرٌ فلما كبرَ ضَمَّ إليهِ غلاماً ليعلِّمهُ السحرَ وكانَ في طريقِ الغلامِ راهبٌ فسمعَ منْهُ فرأى في طريقهِ ذاتَ يومٍ دابةً قدْ حبستِ النَّاسَ، قيلَ: كانتِ الدابةُ أسداً فأخذَ حَجَراً فقالَ: اللهمّ إنْ كانَ الراهبُ أحبَّ إليكَ منَ الساحرِ فاقتلْهَا فكانَ الغلامُ بعدَ ذلكَ يبرىءُ الأكمه والأبرصَ ويَشفيَ من الأدواءِ وعمي جليسٌ للمكِ فأبرأَهُ فأبصرَهُ الملكُ فسألهُ منْ ردَّ عليكَ بصركَ؟ فقالَ: ربِّـي فغضبَ فعذَّبه فدلَّ علَى الغلامِ فعذَّبه فدلَّ على الراهبِ فلم يرجعِ الراهبُ عن دينِه فقدَّ بالمنشارِ وأبى الغلامُ فذهبَ بهِ إلى جبلٍ ليطرحَ من ذروته فدعا فرجفَ بالقومِ فطاحُوا ونجَا فذهبَ به إلى قُرْقُورٍ فلججُوا بِه ليغرقُوه فدعا فانكفأتْ بهم السفينةُ فغرقُوا ونجَا فقالَ للملكِ: لستَ بقاتِلي حَتَّى تجمعَ النَّاسَ في صعيدٍ وتصلبني عَلى جذْعٍ وتأخذَ سَهْماً من كنانتي وتقولَ باسمِ الله ربِّ الغُلامِ ثمَّ ترميني بهِ فرماهُ فوقعَ في صُدغِه فوضَعَ يَدَهُ عليهِ وماتَ فقالَ النَّاسُ: آمنَّا بربِّ الغلامِ قيلَ للمكِ: نزلَ بكَ ما كنتَ تحذرُ فأمرَ بأخاديدَ في أفواهِ السككِ وأوقدتْ فيها النيرانُ فمنْ لَمْ يرجعْ منهمْ طرحَهُ فيها حتَّى جاءت امرأةٌ معها صبـيٌّ فتقاعستْ فقالَ الصبـيُّ: يا أماهُ اصبري فإنَّكِ على الحق فاقتحمتْ. وقيلَ: قال لها: قعي ولا تنافقي ما هي إلا غميضةٌ فصبرتْ. قيلَ: أُخرجَ الغلامُ منْ قبرهِ في خلافةِ عمر بْنِ الخطابِ رضيَ الله عنهُ وأصبعُهُ على صُدْغِه كَما وضعها حينَ قتلَ، وعنْ عليَ رضيَ الله عنهُ: أنَّ بعضَ ملوكِ المجوسِ وقعَ عَلىَ أختهِ وهو سكرانُ فلما صحا ندمَ وطلبَ المخرجَ فقالتْ لَهُ: المخرجُ أن تخطبَ بالنَّاسِ فتقولَ: إنَّ الله قدْ أحلَّ نكاحَ الأخواتِ ثمَّ تخطبُهم بعدَ ذلكَ أنَّ الله قد حرَمَهُ فخطبَ فلم يقبلُوا مِنْهُ، فقالتْ لَهُ: ابسطْ فيهمْ السوطَ ففعلَ فلم يقبلُوا، فقالتْ: ابسطْ فيهم السيفَ ففعلَ فلم يقبلُوا، فأمرَ بالأخاديدِ وإيقادِ النارِ وطرحَ منْ أَبَى فيها فهمْ الذينَ أرادهُم الله تعالى بقولِه: { قُتِلَ أَصْحَـٰبُ ٱلأُخْدُودِ }. وقيلَ: وقعَ إلى نجرانَ رجلٌ ممنْ كانَ على دينِ عيسى عليه السلامُ فدعاهُم فأجابوُه فسارَ إليهم ذُو نواسٍ اليهوديُّ بجنودٍ من حِمْيرٍ فخيرهُمْ بـينَ النارِ واليهوديةِ فأبوَا فأحرقَ منهمْ اثني عشرَ ألفاً في الأخاديدِ وقيلَ: سبعينَ ألفاً وذكرَ أنَّ طولَ الأخدودِ أربعونَ ذراعاً وعرضَهُ اثنا عشرَ ذِراعاً.