التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ
١
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ
٢
ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ
٣
إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ
٤
فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ
٥
-الطارق

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

مكية وآيُها سبع عشرة

{ وَٱلسَّمَاء وَٱلطَّارِقِ } الطارقُ في الأصلِ اسمُ فاعلٍ منْ طرقَ طَرْقاً وطروقاً إذَا جاءَ ليلاً قالَ المَاوِرْدِيُّ: "وأصلُ الطرقِ الدقُّ ومنه سميتِ المطرقةُ وإنما سميَ قاصدُ الليلِ طارقاً لاحتياجِه إلى طرقِ البابِ غالباً" ثم اتُّسعَ في كلِّ ما ظهرَ بالليلِ كائناً ما كانَ ثم أشبعَ في التوسعِ حتى أطلقَ على الصورِ الخياليةِ الباديةِ بالليلِ قال:

طرقَ الخيالُ ولا كليلةِ مدلجسدكاً بأرجلنَا ولم يتبرجِ

والمرادُ ههنا الكوكبُ البادِي بالليلِ أما عَلى أنَّه اسمُ جنسٍ أو كوكبٌ معهودٌ وقيلَ: الطارقُ النجمُ الذي يقالُ له كوكبُ الصبحِ وقولُه تعالى: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } تنويهٌ بشأنِه إثرَ تفخيمِه بالإقسامِ به وتنبـيهٌ على أنَّ رفعةَ قدرِه بحيثُ لا ينالُها إدراكُ الخلقِ فلا بُدَّ من تلقِّيها من الخلاَّقِ العليمِ فما الأُولى مبتدأٌ وأدراكَ خبرٌ، والثانيةُ خبرٌ والطارقُ مبتدأٌ حسبما بـينَ في نظائرِه أيْ وأيُّ شيءٍ أعلمكَ ما الطارقُ وقولُه تعالى: { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ والجملةُ استئنافٌ وقعَ جواباً عن استفهامٍ نشأَ مما قبلَه كأنَّه قيلَ: ما هو فقيلَ النجمُ المضيءُ في الغايةِ كأنه يثقبُ الظلامُ أو الأفلاكُ بضوئِه وينفذُ فيَها والمرادُ بهِ إما الجنسُ فإنَّ لكلِّ كوكبٍ ضوءاً ثاقباً لا محالةَ وإما كوكبٌ معهودٌ قيلَ هو زُحَلُ وقيلَ: هو الثُّريَّا وقيلَ: هو الجَديُ وقيل: النجمُ الثاقبُ نجمٌ في السماءِ السابعةِ لا يسكُنها غيرُه فإذا أخذتِ النجومُ أمكنتَها من السماءِ هبط فكانَ معها ثم يرجعُ إلى مكانِه من السماءِ السابعةِ وهو زُحل فهو طارقٌ حينَ ينزلُ وحينَ يصعدُ وفي إيرادِه عندَ الإقسامِ به بوصفٍ مشتركٍ بـينه وبـين غيرِه ثم الإشارةِ إلى أنَّ ذلكَ الوصفَ غيرُ كاشفٍ عن كنِه أمرِه وأن ذلكَ مما لاتبلغُه أفكارُ الخلائقِ ثم تفسيرِه بالنجمِ الثاقبِ من تفخيمِ شأنِه وإجلالِ محلِّه بما لا يَخْفى.

وقولُه تعالى: { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } جوابٌ للقسمِ وما بـينهما اعتراضٌ جيءَ بهِ لما ذكرَ من تأكيدِ فخامةِ المقسمِ بهِ المستتبعِ لتأكيدِ مضمونِ الجملةِ المقسمِ عليها، وإنْ نافيةٌ، ولَمَّا بمَعْنى إلاَّ ما كلُّ نفسٍ إلا عليها حافظٌ مهيمنٌ رقيبٌ وهو الله عزَّ وجلَّ كما في قولِه تعالَى: { { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء رَّقِيباً } [سورة الأحزاب، الآية 52] وقيلَ: هو من يحفظُ عملَها ويُحصي عليها ما تكسبُ من خيرٍ وشرَ كما في قولِه تعالى: { { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـٰفِظِينَ * كِراماً } [سورة الانفطار، الآية 10] الآيةَ وقولُه تعالى: { { وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً } [سورة الأنعام، الآية 61] وقولُه تعالى: { { لَهُ مُعَقّبَـٰتٌ مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ } [سورة الرعد، الآية 11] وقُرِىءَ لَمَا مخففةٌ على أنَّ إنْ مخففةٌ من الثقيلةِ واسمُها الذي هُو ضميرُ الشأنِ محذوفٌ واللامُ هي الفارقةُ وما مزيدةٌ أي أنَّ الشأنَ كلُّ نفسٍ لعليها حافظٌ والفاءُ في قوله تعالى: { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَـٰنُ مِمَّ خُلِقَ } للتنبـيهِ على أنَّ مَا بُـينَ مِنْ أن كلَّ نفسٍ عليها حافظٌ يُحصي عليها كلَّ ما يصدرُ عنها من قولٍ وفعلٍ مستوجبٌ على الإنسانِ أنْ يتفكرَ في مبدأِ فطرتِه حقَّ التفكير حتى يتضح له أن من قدر على إنشائه من موادّ لم تشمّ رائحة الحياة قط فهو قادرٌ على إعادتِه بل أقدرُ على قياسِ العقلِ فيعملَ ليومِ الإعادةِ والجزاءِ ما ينفعُه يومئذٍ ويجديهِ ولا يملى على حافظِه ما يرديهِ.