التفاسير

< >
عرض

فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ
١٠
وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ
١١
وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ
١٢
إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ
١٣
وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ
١٤
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً
١٥
وَأَكِيدُ كَيْداً
١٦
فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً
١٧
-الطارق

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَمَا لَهُ } أي للإنسانِ { مِن قُوَّةٍ } في نفسِه يمتنعُ بها { وَلاَ نَاصِرٍ } ينتصرُ به { وَٱلسَّمَاء ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } أي المطرِ سميَ رَجْعاً لَما أن العربَ كانوا يزعمونَ أن السحابَ يحملُ الماءَ من بحارِ الأرضِ ثم يرجعُه إلى الأرضِ أو أرادُوا بذلكَ التفاؤلَ ليرجعَ ولذلك سمَّوه أوباً أو لأنَّ الله تعالى يرجعُه حيناً فحيناً.

{ وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } هو ما تتصدعُ عنه الأرضُ من النباتِ أو مصدرٌ من المبنيِّ للمفعولِ وهو تشققُها بالنباتِ لا بالعيونِ كما قيلَ، فإن وصفَ السماءِ والأرضِ عند الإقسامِ بهما على حقية القرآنِ الناطقِ بالبعثِ بما ذكرَ من الوصفينِ للإيماءِ إلى أنَّهما في أنفسِهما من شواهدِه وهو السرُّ في التعبـيرِ بالصدعِ عنه وعن المطرِ بالرجعِ وذلك في تشققِ الأرضِ بالنباتِ المحاكِي للنشورِ حسبما ذكرَ في مواقعِ من التنزيلِ لا في تشققِها بالعيونِ { إنَّهُ } أي القرآنَ الذي من جُملته ما تُلي من الآياتِ الناطقةِ بمبدأِ الإنسانِ ومعادِه { لَقَوْلٌ فَصْلٌ } أي فاصلٌ بـين الحقِّ والباطلِ مبالغٌ في ذلك كأنه نفسُ الفصلِ { وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ } ليس في شيءٍ منه شائبةُ هزلٍ بل كله جدٌّ محضٌ لا هوادةَ فيه فمن حقِّه أن يهتديَ به الغواةُ وتخضعَ له رقابُ العتاةِ { إنَّهُمْ } أي أهلَ مكةَ { يَكِيدُونَ } في إبطالِ أمرِه وإطفاءِ نورِه{ كَيْداً } حسبما نفى به قدرتُهم { وَأَكِيدُ كَيْداً } أي أقابلهُم بكيدٍ متينٍ لا يمكنُ ردُّه حيثُ أستدرجُهم من حيثُ لا يعلمونَ { فَمَهّلِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } أي لا تشتغلْ بالانتقامِ منهم ولا تدعُ عليهم بالهلاكِ أو لا تستعجلْ بهِ والفاءُ لترتيبِ ما بعدها عَلى ما قبلها فإنَّ الإخبارَ بتوليهِ تعالى لكيدهم بالذاتِ مما يوجبُ إمهالَهم وتركَ التصدِّي لمكايدتِهم قطعاً وقولُه تعالى { أَمْهِلْهُمْ } بدلٌ من مَهِّل وقولُه تعالى: { رُوَيْداً } إما مصدرٌ مؤيدٌ لمعنى العاملِ أو نعتٌ لمصدرِه المحذوفِ أي مهلهم إمهالاً رُويداً أي قريباً كما قالَه ابنُ عباسٍ رضيَ الله عنْهُما أو قليلاً كما قاله قَتادةُ قال أبو عبـيدةَ هُو في الأصلِ تصغيرُ رُود بالضمِّ وأنشدَ:

[تكادُ لا تثلِمُ البطحاءُ وطأتها] كأنَّها ثَمِلٌ تَمشي عَلى رُودِ

أي على مهلٍ وقيل: تصغيرُ ارْوَادٍ مصدرٌ أَرْوَدَ بالترخيمِ وله في الاستعمالِ وجهانِ آخرانِ كونُه اسمَ فعلٍ نحوُ رويدَ زيداً وكونُه حالاً نحو سارَ القومُ رويداً أَي متمهلينَ وفي إيرادِ البدلِ بصيغةٍ لا تحتملُ التكثيرَ وتقيـيدُه برويداً على أحدِ الوجهينِ المذكورينِ من تسليةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وتسكينِ قلبِه ما لا يَخْفى. وعنْهُ صلى الله عليه وسلم: "من قرأَ سورةَ الطارقِ أعطاهُ الله تعالى بعددِ كلِّ نجمَ في السماءِ عشرَ حسناتٍ" والله أعلمُ.