التفاسير

< >
عرض

وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى
١١
ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ
١٢
ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا
١٣
قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ
١٤
وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ
١٥
بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا
١٦
وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ
١٧
-الأعلى

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَيَتَجَنَّبُهَا } أي الذكرَى { ٱلأَشْقَى } من الكفرة لتوغله في عداوة النبـيِّ صلى الله عليه وسلم وقيلَ: نزلتْ في الوليدِ بنِ المغيرةِ وعتبةَ بنِ أبـي ربـيعةَ. { ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ } أي الطبقةَ السُّفلَى من طبقاتِ النارِ، وقيلَ: الكُبرى نارُ جهنمَ والصُّغْرى نارُ الدُّنيا لقولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "نارُكُم هذهِ جزءٌ من سبعينَ جُزْءاً من نارِ جهنَم" { ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا } حتى يستريحَ { وَلاَ يَحْيَىٰ } حياةً تنفعُه وثمَّ للتراخِي في مراتبِ الشدةِ لأن الترددَ بـين الموتَ والحياةِ أفظعُ من الصَّلْي.

{ قَدْ أَفْلَحَ } أي نجَا من المكروهِ وظفرَ بما يرجُوه { مَن تَزَكَّىٰ } أيْ تطهرَ من الكفرِ والمعاصِي بتذكرِه واتعاظِه بالذكرَى أو تكثر من التَّقوى والخشيةِ مْنَ الزكاءِ وهو النماءُ وقيلَ تزكَّى تفعَّل من الزكاةِ. وكلمةُ قَدْ لَما أنَّ عندَ الإخبارِ بسوءِ حالِ المتجنبِ عنِ الذكرَى في الآخرةِ يتوقعُ السامعُ الأخبارَ بحسنِ حالِ المتذكرِ فيَها وينتظرُه { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبّهِ } بقلبِه ولسانِه { فَصَلَّىٰ } أقامَ الصلواتِ كقولِه تعالى: { { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } [سورة طه، الآية 14] أو كبرَ تكبـيرةَ الافتتاحِ فصلَّى، وقيلَ تزكَّى أي تصدقَ صدقة الفطرِ وذكر اسمَ ربِّه أي كبَّرهُ يومَ العيدِ فصلَّى أيْ صلاتَهُ.

{ بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } إضرابٌ عن مقدرٍ ينساقُ إليهِ الكلامُ كأنَّه قيلَ إثرَ بـيانِ ما يؤدِّي إلى الفلاحِ: لا تفعلونَ ذلكَ بلْ تؤثرونَ اللذاتِ العاجلةَ الفانيةَ فتسعَونَ لتحصيلِها، والخطابُ إمَّا للكفرةِ فالمرادُ بإيثارِ الحياةِ الدُّنيا هُو الرِّضا والاطمئنانُ بهَا والإعراضُ عن الآخرةِ بالكليةِ كما في قولِه تعالى: { { إَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } [سورة يونس، الآية 7] الآيةَ، أو للكُلِّ فالمرادُ بإيثارها ما هُو أعمُّ ممَّا ذُكرَ وما لا يخلُو عنْهُ الإنسانُ غالباً من ترجيح جانبِ الدُّنيا على الآخرة في السَّعي، وترتيب المبادِي. والالتفاتُ على الأولِ لتشديدِ التوبـيخِ وعلى الثَّانِي كذلكَ في حقِّ الكفرةِ وتشديدِ العتابِ في حقِّ المسلمينَ. وقُرِىءَ يُؤثرونَ بالياءِ. وقولُه تعالى: { وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } حالٌ من فاعلِ تؤثرونَ مؤكدةٌ للتوبـيخِ والعتابِ أي تُؤثرونَها على الآخرةِ والحالُ أنَّ الآخرةَ خيرٌ في نفسِها لمَا أنَّ نعيمَها مع كونِه في غايةِ ما يكونُ من اللذةِ خالصٌ عن شائبةِ الغائلةِ أبديٌّ لا انصرامَ لَه. وعدمُ التعرضِ لبـيانِ تكدرِ نعيمِ الدُّنيا بالمنغصاتِ وانقطاعِه عمَّا قليلٍ لغايةِ ظهورِه.