التفاسير

< >
عرض

وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ
٨
فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ
٩
سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ
١٠
-الأعلى

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَنُيَسّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ } عطفٌ على نُقرئكَ كما ينبىءُ عنه الالتفاتُ إلى الحكايةِ وما بـينهما اعتراضٌ واردُ لما ذُكرَ من التعليلِ وتعليقٌ التيسيرِ به عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مع أنَّ الشائعَ تعليقُه بالأمورِ المسخرةِ للفاعلِ كما في قولِه تعالى: { { وَيَسّرْ لِى أَمْرِى } [سورة طه، الآية 26] للإيذانِ بقوةِ تمكينِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من اليُسرى والتصرفِ فيها بحيثُ صارَ ذلكَ ملكةً راسخةً له كأنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ جُبلَ عليها كما في قولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "اعملُوا فكُلٌّ ميسرٌ لِمَا خُلقَ له" . أي نوفقكَ توفيقاً مستمراً للطريقةِ اليُسرى في كُلِّ بابٍ من أبوابِ الدينِ علماً وتعليماً واهتداءً وهدايةً فيندرجُ فيه تيسيرُ طريقِ تلقِّي الوَحْي والإحاطةِ بما فيه منْ أحكامِ الشريعةِ السمحةِ والنواميسِ الإلهيةِ مما يتعلقُ بتكميل نفسِه عليه الصلاةُ والسَّلامُ وتكميلِ غيرِه، كما تفصحُ عنه الفاءُ في قولِه تعالى: { فَذَكّرْ إِن نَّفَعَتِ ٱلذّكْرَىٰ } أي فذكرِ الناسَ حسبما يَسَّرناكَ لهُ بما يُوحى إليكَ واهدِهِم إلى ما في تضاعيفِه من الأحكامِ الشرعيةِ كما كنتَ تفعلُه لا بعدَ ما استتبَ لك الأمرُ كما قيلَ. وتقيـيدُ التذكيرِ ينفعِ الذكرَى لما أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم طالمَا كانَ يذكرهُم ويستفرغُ فيه غايةَ المجهودِ ويتجاوزُ في الجدِّ كلَّ حدِّ معهودٍ حرصاً على إيمانِهم وما كانَ يزيدُ ذلكَ بعضُهم إلا كُفراً وعناداً فأُمرَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بأنْ يخصَّ التذكيرَ بموادِّ النفعِ في الجملةِ بأنْ يكونَ مَنْ يذكرُهُ كلاً أو بعضاً مِمَّنْ يُرجى منه التذكرُ ولا يتعبُ نفسَه في تذكيرِ مَن لا يورثُهُ التذكيرُ إلا عتواً ونفوراً من المطبوعِ على قلوبِهم كما في قولِه تعالى: { { فَذَكّرْ بِٱلْقُرْءانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } [سورة ق، الآية 45] وقولِه تعالى: { { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا } [سورة النجم، الآية 29] وقيلَ: هُو ذمٌّ للمذكرينَ وإخبارٌ عن حالِهم واستبعادٌ لتأثيرِ التذكيرِ فيهم وتسجيلٌ عليهمْ بالطبعِ على قلوبِهم كقولكَ لواعظِ عظِ المكَّاسينَ إنْ سمعُوا منك قصداً إلى أنَّه مما لا يكونُ والأولُ أنسبُ لقوله تعالى: { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ } أي سيتذكرُ بتذكيرِكَ مَنْ مِنْ شأنِه أنْ يخشَى الله تعالى حقَّ خشيتِه أو مَنْ يخشَى الله تعالَى في الجملةِ فيزدادُ ذلكَ بالتذكيرِ فيتفكرُ في أمرِ مَا تذكرَ به فيقفُ على حقيتِه فيؤمنُ بهِ، وقيلَ: إنْ بمَعْنى إذْ كمَا في قولِه تعالى: { { وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [سورة آل عمران، الآية 139] أي إذْ كنتُم وقيلَ هيَ بمَعْنى مَا أيُ فذكْر ما نفعتِ الذكرَى فإنَّها لا تخلُو عن نفعٍ بكلِّ حالٍ، وقيلَ: هناكَ محذوفٌ، والتقديرُ إنْ نفعتِ الذكرَى وإنْ لم تنفعْ كقولِه تعالى: { { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [سورة النحل، الآية 81] قالَهُ الفَّراءُ والنَّحاسُ والجُرجُانيُّ والزهراويُّ.