التفاسير

< >
عرض

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ
١
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ
٢
عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ
٣
تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً
٤
-الغاشية

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

مكية وآيُها ست وعشرون

{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَـٰشِيَةِ } قيلَ: هِلْ بمَعْنى قَدْ كمَا في قولِه تعالَى: { { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَـٰنِ } [سورة الإنسان، الآية 1] الآيةَ، قالَ قُطْربٌ: أيْ قد جاءكَ يا محمدُ حديثُ الغاشيةِ. وليسَ بذاكَ بلْ هو استفهامٌ أُريدَ به التعجيبُ ممَّا في حيزِه والتشويقُ إلى استماعِه والإشعارُ بأنَّه من الأحاديثِ البديعةِ التي حقُّها أنْ يتناقلَها الرواةُ ويتنافسُ عليها الوعاةُ مِنْ كلِّ حاضرٍ وبادٍ. والغاشيةُ الداهيةُ الشديدةُ التي تغشَى الناسَ بشدائدِها وتكتنفُهم بأهوالِها وهيَ القيامةُ من قولِه تعالى: { { يَوْمَ يَغْشَـٰهُمُ ٱلْعَذَابُ } [سورة العنكبوت، الآية 55] الخ، وقيلَ: هيَ النارُ من قولِه تعالى: { { وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمْ ٱلنَّارُ } [سورة إبراهيم، الآية 50] وقولِه تعالى: { { وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } [سورة الأعراف، الآية 41] والأولُ هو الحقُّ فإنَّ ما سيُروى من حديثِها ليسَ مختصاً بالنَّارِ وأهلِها بلْ ناطقٌ بأحوال أهلِ الجنةِ أيضاً. وقولُه تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَـٰشِعَةٌ } إلى قولِه تعالى: { مَبْثُوثَةٌ } استئنافٌ وقعَ جواباً عن سؤالٍ من الاستفهام التشويقيِّ كأنَّه قيلَ من جهتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "ما أتانِي حديثُها، فما هو؟" فقيلَ: وجوهٌ يومئذٍ، أيْ يومَ إذْ غشيتْ ذليلةٌ، قالَ ابنُ عباسٍ رضيَ الله عنهُمَا: لم يكنْ أتاهُ عليه الصَّلاة والسَّلامُ حديثُها فأخبرَهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عنهَا فقالَ: وجوهٌ الخ، فوجوهٌ مبتدأٌ ولا بأسَ بتنكيرِها لأنَّها في موقعِ التنويعِ، وخاشعةٌ خبرُهُ. وقولُه تعالى: { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } خبرانِ آخرانِ لوجوهٌ إذِ المرادُ بهَا أصحابُها أي تعملُ أعمالاً شاقةً تتعبُ فيها وهيَ جرُّ السلاسلِ والأغلالِ والخوضُ في النَّارِ خوضَ الإبلِ في الوحلِ والصعودُ والهبوطُ في تلالِ النارِ ووهادِها، وقيلَ: عملتْ في الدُّنيا أعمالَ السوءِ والتذتْ بها فهيَ يومئذٍ في نصبٍ منها، وقيلَ: عملتْ ونصبتْ في أعمالِ لا تُجدي عليهَا في الآخرةِ. وقولُه تعالَى: { تَصْلَىٰ } أي تدخلُ { نَاراً حَامِيَةً } أي متناهيةً في الحرِّ، خبرٌ آخرُ لوجوهٌ، وقيلَ: هو الخبرُ وما قبلَهُ صفاتٌ لوجوهٌ، وقد مرَّ غيرَ مرةٍ أن الصفةَ حقَّها أن تكونَ معلومة الانتسابِ إلى الموصوفِ عندَ السامعِ قبلَ جعلِها صفةً له ولا ريبَ في أنَّ صليَ النارِ وما قبلَهُ من الخشوعِ والعملِ والنَّصَبِ أمورٌ متساويةٌ في الانتسابِ إلى الوجوهِ معرفةً وجهالةً فجعلُ بعضِها عُنواناً للموضوعِ قيداً مفروغاً عنه غيرَ مقصودِ الإفادةِ وبعضِها مناطاً للإفادةِ تحكُّمٌ بحتٌ ويجوزُ أنْ يكونَ هذا وما بعدَهُ من الجملتينِ استئنافاً مبـيناً لتفاصيلِ أحوالِها.