التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٢٨
-التوبة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } وُصفوا بالمصدر مبالغةً كأنهم عينُ النجاسةِ أو هم ذوو نجسٍ لخُبث باطنِهم أو لأن معهم الشركَ الذي هو بمنزلة النجَس أو لأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يجتنبون النجاساتِ فهي ملابسةٌ لهم. عن ابن عباس رضى الله عنهما أن أعيانَهم نجِسةٌ كالكلاب والخنازير، وعن الحسن من صافح مشرِكاً توضأ، وأهلُ المذاهبِ على خلاف هذين القولين، وقرىء نِجْسٌ بكسر النون وسكون الجيم وهو تخفيف نجس ككِبْدٍ في كَبِد كأنه قيل: إنما المشركون جنسٌ نجسٌ أو ضرْبٌ نجس، وأكثرُ ما جاء تابعاً لرِجْس { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } تفريعٌ على نجاستهم وإنما نُهي عن القرب للمبالغة أو للمنع عن دخولِ الحرمِ، وهو مذهبُ عطاءٍ، وقيل: المرادُ به النهيُ عن الدخول مطلقاً، وقيل: المرادُ المنعُ عن الحج والعمرةِ وهو مذهبُ أبـي حنيفةَرحمه الله تعالى ويؤيده قوله عز وجل: { بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } فإن تقيـيدَ النهي بذلك يدل على اختصاص المنهيِّ عنه بوقت من أوقات العام، أي لا يحجُّوا ولا يعتمِروا بعد حجِّ عامِهم هذا، وهو عامُ تسعةٍ من الهجرة حين أُمّر أبو بكر رضي الله عنه على الموسم ويدل عليه قولُ عليَ رضي الله عنه حين نادى ببراءة: ألا لا يحُجَّ بعد عامِنا هذا مشركٌ، ولا يُمنعون من دخول الحرمِ والمسجد الحرام وسائرِ المساجدِ عنده، وعند الشافعي يمنعون من المسجد الحرام خاصة، وعند مالك يمنعون من جميع المساجد، ونهيُ المشركين أن يقرَبوه راجعٌ إلى نهي المسلمين عن تمكينهم من ذلك، وقيل: المرادُ أن يُمنعوا من تولي المسجد الحرام والقيامِ بمصالحه ويُعزَلوا عن ذلك.

{ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } أي فقراً بسبب منعِهم من الحج وانقطاعِ ما كانوا يجلُبونه إليكم من الإرفاق والمكاسب، وقرىء عائلةً على أنها مصدرٌ كالعافية أو حالاً عائلة { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } من عطائه أو من تفضله بوجهٍ آخَرَ فأرسل الله تعالى السماء عليهم مدراراً أغزر بها خيرَهم وأكثر ميرَهم وأسلم أهلُ تبالةَ وجرشٍ فحمَلوا إلى مكة الطعامَ وما يُعاش به فكان ذلك أعودَ عليهم مما خافوا العَيلةَ لفواته ثم فتح عليهم البلادَ والغنائمَ وتوجه إليهم الناسُ من أقطار الأرض { إِن شَاء } أن يغنيَكم مشيئةً تابعةً للحِكمة الداعيةِ إليها وإنما قيد ذلك بها لتنقطعَ الآمالُ إلى الله تعالى ولأن الإغناءَ ليس مطرداً بحسب الأفراد والأحوال والأوقات { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ } بمصالحكم { حَكِيمٌ } فيما يُعطي ويمنع.