التفاسير

< >
عرض

إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ
٣٦
-التوبة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ } أي عددَها { عَندَ ٱللَّهِ } أي في حكمه وهو معمولٌ لها لأنها مصدرٌ { ٱثْنَا عَشَرَ } خبرٌ لأن { شَهْراً } تميـيزٌ مؤكدٌ كما في قولك: عندي من الدنانير عشرون ديناراً والمرادُ الشهورُ القمريةُ إذ عليها يدور فلكُ الأحكام الشرعية { فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } في اللوحِ المحفوظِ أو فيما أثبته وأوجبه، وهو صفةُ اثنا عشر أي اثنا عشر شهراً مُثبتاً في كتاب الله، وقولُه عز وجل: { يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } متعلقٌ بما في الجارِّ والمجرور من معنى الاستقرار أو بالكتاب على أنه مصدرٌ والمعنى إن هذا أمرٌ ثابتٌ في نفس الأمرِ منذ خلق الله تعالى الأجرامَ والحركاتِ والأزمنة { مِنْهَا } أي من تلك الشهورِ الاثنىْ عشر { أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } هي ذو القَعدة وذو الحِجة والمحرَّم ورجبٌ ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في خُطبته في حجة الوداع: "ألا إن الزمانَ قد استدار كهيئته يومَ خلقَ الله السمواتِ والأرضَ السنةُ اثنا عشرَ شهراً منها أربعةٌ حرُمٌ ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القَعدةِ وذو الحِجة والمحرَّم، ورجبُ مُضَرَ الذي بـين جُمادىٰ وشعبانَ" والمعنى رجعت الأشهرُ إلى ما كانت عليه من الحِل والحُرمة وعاد الحجُّ إلى ذي الحِجّة بعد ما كانوا أزالوه عن محله بالنسيءِ الذي أحدثوه في الجاهلية وقد وافقت حَجةُ الوَداعِ ذا الحِجة، وكانت حَجةُ أبـي بكر رضي الله عنه قبلها في ذي القَعدة { ذٰلِكَ } أي تحريم الأشهرِ الأربعة المعينة المعدودةِ، وما في ذلك من معنى البُعد لتفخيم المشار إليه هو { ٱلدّينُ ٱلْقَيّمُ } المستقيمُ دينُ إبراهيَم وإسماعيلَ عليهما السلام وكانت العرب قد تمسكت به وراثةً منهما وكانوا يعظّمون الأشهرَ الحرمَ ويكرهون القتال فيها حتى إنه لو لقيَ رجلٌ قاتلَ أبـيه أو أخيه لم يَهِجْهُ وسمَّوا رجباً الأصمَّ ومنصل الأسنة حتى أحدثوا النسيء فغيروا { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ } بهتك حرمتِهن وارتكابِ ما حرّم فيهن، والجمهورُ على أن حرمةَ القتال فيهن منسوخةٌ وأن الظلم ارتكابُ المعاصي فيهن فإنه أعظمُ وزراً كارتكابها في الحرَم وعن عطاء أنه لا يحِلّ للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الأشهر الحرُم إلا أن يقاتلَوا وما نسخت ويؤيد الأولَ أنه عليه الصلاة والسلام حصرَ طائفاً وغَزَا هَوازنَ بحُنين في شوال وذي القعدة.

{ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَـٰتِلُونَكُمْ كَافَّةً } أي جميعاً وهو مصدرُ كفّ عن الشيء فإن الجميع مكفوفٌ عن الزيادة وقع موقعَ الحال { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } أي معكم بالنصر والإمداد فيما تباشِرونه من القتال وإنما وضع المُظهرُ موضعَه مدحاً لهم بالتقوى وحثاً للقاصرين عليه وإيذاناً بأنه المدارُ في النصر وقيل: هي بشارةٌ وضمانٌ لهم بالنصرة بسبب تقواهم.