التفاسير

< >
عرض

وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ
٧٥
فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ
٧٦
فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ
٧٧
-التوبة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَمِنْهُمُ } بـيانٌ لقبائح بعضٍ آخرَ منهم { مَّنْ عَـٰهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ ءاتَـٰنَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } لنؤتين الزكاةَ وغيرَها من الصدقات { وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما: يريد الحج وقرىء بالنون الخفيفة فيهما. قيل: نزلت في ثعلبةَ بنِ حاطب أتى النبـي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: ادعُ الله أن يرزُقَني مالاً فقال عليه الصلاة والسلام: "يا ثعلبةُ قليلٌ تؤدّي حقه خيرٌ من كثير لا تطيقه" فراجعه وقال: والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالاً لأعطين كلَّ ذي حق حقَّه فدعا له فاتخذ غنماً فنمت كما ينمي الدودُ حتى ضاقت بها المدينةُ فنزل وادياً وانقطع عن الجماعة والجمعة فسأل عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقيل: كثرَ مالُه حتى لا يسعُه وادٍ فقال: «يا ويحَ ثعلبةَ» فبعث مصدِّقين لأخذ الصدقات فاستقبلها الناسُ بصدقاتهم ومرا بثعلبةَ فسألاه الصدقة وأقرآه كتابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه الفرائضُ فقال: ما هذه إلا أختُ الجزية وقال: ارجعا حتى أرى رأيـي وذلك قوله عز وجل: { فَلَمَّا ءاتَاهُمْ مّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ } أي منعوا حق الله منه { وَتَوَلَّواْ } أي أعرضوا عن طاعة الله سبحانه فلما رجعا قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يكلماه: «يا ويحَ ثعلبةَ» مرتين فنزلت فجاء ثعلبةُ بالصدقة فقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله منعني أن أقبل منك» فجعل يحثو التراب على رأسه فقال عليه الصلاة والسلام: «هذا عملُك قد أمرتك فلم تُطعني» فقُبض عليه الصلاة والسلام فجاء بها إلى أبـي بكر رضى الله عنه فلم يقبلها وجاء بها إلى عمرَ رضي الله عنه في خلافته فلم يقبلها وهلك في خلافة عثمانَ رضي الله عنه وقيل: نزلت فيه وفي سهل بن الحارثِ وجَدِّ بنِ قيس ومعتب بن قُشير والأول هو الأشهرُ { وَهُم مُّعْرِضُونَ } جملة معترضة أي وهم قوم عادتُهم الإعراضُ أو حالية أي تولوا بإجرامهم وهم معرضون بقلوبهم.

{ فَأَعْقَبَهُمْ } أي جعل الله عاقبةَ فعلِهم ذلك { نِفَاقاً } راسخاً { فِى قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ } إلى يوم موتِهم الذي يلقون الله تعالى عنده أو يلقَون فيه جزاءَ عملِهم وهو يومُ القيامة وقيل: فأورثهم البخلَ نفاقاً متمكناً في قلوبهم ولا يلائمه قوله عز وجل: { بِمَا أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ } أي بسبب إخلافِهم ما وعده تعالى من التصدق والسلاح { وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } أي وبكونهم مستمرِّين على الكذب في جميع المقالاتِ التي من جملتها وعدُهم المذكورُ، وتخصيصُ الكذبِ به يؤدّي إلى تخلية الجمعِ بـين صيغتي الماضي والمستقبلِ عن المزية فإن تسببَ الإعقابِ المذكورِ بالإخلاف والكذب يقضي بإسناده إلى الله عز وجل إذ لا معنى لكونهما سببـين لإعقاب البخلِ للنفاق، والتحقيقُ أنه لما كانت الفاءُ الدالةُ على الترتيب والتفريعِ منبئةً عن ترتب إعقابِ النفاقِ المخلّدِ على أفعالهم المحكيةِ عنهم من المعاهدة بالتصدق والصلاح والبخل والتولي والإعراض ـ وفيها ما لا دخل له في الترتيب المذكور كالمعاهدة ـ أزيح ما في ذلك من الإبهام بتعيـين ما هو المدارُ في ذلك والله تعالى أعلم وقرىء بتشديد الذال.