التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ
٧٨
ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٧٩
-التوبة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أَلَمْ يَعْلَمُواْ } أي المنافقون أو من عاهد الله وقرىء بالتاء الفوقانية خطاباً للمؤمنين فالهمزةُ على الأول للإنكار والتوبـيخِ والتهديد أي ألم يعلموا { أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ } أي ما أسرُّوا به في أنفسهم وما تناجَوا به فيما بـينهم من المطاعن وتسميةِ الصدقةِ جزيةً وغيرِ ذلك مما لا خيرَ فيه، وسرُّ تقديمِ السر على النجوىٰ سيظهر في قوله سبحانه: { { وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَـٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } { وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ } فلا يخفىٰ عليه شيءٌ من الأشياء حتى اجترأوا على ما اجترأوا عليه من العظائم، وإظهارُ اسمِ الجلالةِ في الموقعين لإلقاء الروعةِ وتربـيةِ المهابةِ، وفي إيراد العلم المتعلّق بسرهم ونجواهم بصيغة الفِعلِ الدالِّ على الحدوث والتجدد، والعلمِ المتعلقِ بالغيوب الكثيرةِ الدائمةِ بصيغة الاسم الدالِّ على الدوام والمبالغة من الفخامة والجزالةِ ما لا يخفى وعلى الثاني لتقرير عِلمِ المؤمنين بذلك وتنبُّههم على أنه تعالى مؤاخِذُهم ومجازيهم بما علم من أعمالهم { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ } نصبٌ أو رفع على الذم، ويجوز جرُّه على البدلية من الضمير في سرَّهم ونجواهم وقرىء بضم الميم وهي لغة أي يعيبون { ٱلْمُطَّوّعِينَ } أي المتطوعين المتبرِّعين { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } حالٌ من المطّوعين وقوله تعالى: { فِي ٱلصَّدَقَـٰتِ } متعلق بـيلمزون. (روي أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حث الناسَ على الصدقة فأتى عبدُ الرحمٰن بنُ عوف بأربعين أوقيةً من ذهب وقيل: بأربعةِ آلافِ درهم وقال: لي ثمانيةُ آلافٍ فأقرضتُ ربـي أربعة وأمسكتُ لعيالي أربعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت» فبارك له حتى صولحت تُماضِرُ رابعةُ نسائِه عن ربع الثمن على ثمانين ألفاً، وتصدق عاصمُ بنُ عدي بمائة وَسْقٍ من تمر وجاء أبو عقيل الأنصاري بصاع من تمر، فقال: بتُّ ليلتي أجرُّ بالجرير على صاعين فتركت صاعاً لعيالي وجئت بصاع فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثُره على الصدقات فلمَزَهم المنافقون وقالوا: ما أعطى عبدُ الرحمٰن وعاصمٌ إلا رياءً وإنْ كان الله ورسولُه لغنيَّـيْن عن صاع أبـي عقيل ولكنه أحب أن يذكِّر بنفسه ليُعطىٰ من الصدقات فنزلت).

{ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ } عطف على المطوعين أي ويلمزون الذين لا يجدون إلا طاقاتِهم وقرىء بفتح الجيم وهو مصدر جهد في الأمر إذا بالغ فيه وقيل: هو بالضم الطاقةُ وبالفتح المشقة { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ } عطف على يلمِزون أي يهزءون بهم والمرادُ بهم الفريقُ الأخير { سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ } إخبارٌ بمجازاته تعالى إياهم على ما فعلوا من السخرية والتعبـيرُ عنها بذلك للمشاكلة { وَلَهُمْ } أي ثابت لهم { عَذَابٌ أَلِيمٌ } التنوينُ للتهويل والتفخيم، وإيرادُ الجملةِ اسميةً للدلالة على الاستمرار.