التفاسير

< >
عرض

وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا
٧
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا
٨
قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا
٩
وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا
١٠
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ
١١
إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا
١٢
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا
١٣
-الشمس

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } أي أنشأَها وأبدعَها مستعدةً لكمالاتِها والتنكيرُ للتفخيمِ على أنَّ المرادَ نفسُ آدمٍ عليه السلامُ أو للتكثيرِ وهو الأنسبُ للجوابِ { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } أي أفهمَها إيَّاهُمَا وعرَّفَها حالَها من الحُسْنِ والقُبحِ وما تؤدي إليه كلٌّ منهُمَا ومكَّنها من اختيارِ أيِّهما شاءتْ وتقديمُ الفجورِ لمراعاةِ الفواصلِ { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا } أيْ فازَ بكلِّ مطلوبٍ ونجَا من كلِّ مكروهٍ مَنْ أنماهَا وأعلاها بالتقوى وهو جوابُ القسمِ وحذفُ اللامِ لطولِ الكلامِ وتكريرُ قَدْ في قولِه تعالَى:

{ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا } لإبرازِ كمالِ الاعتناءِ بتحقيقِ مضمونِه والإيذانِ بتعلقِ القسمِ بهِ أيضاً أصالةً أيْ خسرَ مَنْ نقصَها وأخفَاها بالفجورِ وأصلُ دَسَّى دَسَّسَ كتقضَّى وتَقْضَّضَ وقيلَ: هو كلامٌ تابعٌ لقولِه تعالى: { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } بطريقِ الاستطرادِ وإنما الجوابُ ما حذفَ تعويلاً على دلالة قولِه تعالى { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا } عليه كأنَّه قيلَ: ليُدَمدِمنّ الله تعالى على كفارِ مكةَ لتكذيبِهم رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كما دمدمَ على ثمودَ لتكذيبِهم صالحاً عليهِ السلامُ وهو على الأولِ استئنافٌ واردٌ لتقريرِ مضمونِ قولِه تعالى: { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا } والطَّغوى بالفتحِ الطُّغيانُ والباءُ للسببـيةِ أيْ فعلتِ التكذيبَ بسببِ طُغيانِها كما تقولُ ظلمنِي بجراءتِه على الله تعالى أو صلةٌ للتكذيبِ أيْ كذَّبتْ بمَا أُوعدتْ بهِ منَ العذابِ ذي الطَّغوى كقولِه تعالَى: { { فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } [سورة الحاقة، الآية 5] وقُرِىءَ بطُغواهَا بضم الطاء وهو أيضاً مصدرٌ كالرُّجعى { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَـٰهَا } منصوبٌ بكذبتْ أو بالطَّغوى أيْ حينَ قامَ أَشْقى ثمودٍ وهُو قُدارُ بنُ سالفٍ أو هُو ومَنْ تصدَّى معه لعقرِ الناقةِ من الأشقياءِ فإنَّ أفعلَ التفضيلِ إذا أضيفَ يصلُح للواحدِ والمتعددِ والمذكرِ والمؤنثِ وفضلُ شقاوتِهم على مَنْ عداهُم لمباشرتِهم العقَر معَ اشتراكِ الكلِّ في الرِّضا بهِ { فَقَالَ لَهُمُ } أي لثمودَ { رَسُولِ ٱللَّهِ } أي صالحٌ عليه السلامُ عبرَ عنه بعنوانِ الرسالةِ إيذاناً بوجوبِ طاعتِه وبـياناً لغايةِ عتوِّهم تمادِيهم في الطغيانِ وهو السرُّ في إضافةِ الناقةِ إلى الله تعالَى في قولِه تعالَى: { نَاقَةُ ٱللَّهِ } أي ذرُوا ناقةَ الله { وَسُقْيَـٰهَا } ولا تذودُوها عنها في نوبتها.