التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ
٤
عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ
٥
كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ
٦
أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ
٧
-العلق

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } أي علمَ ما علمَ بواسطةِ القلمِ لا غيرِه فمَا علَّم القارىءَ بواسطةِ الكتابةِ والقلمِ يعلمكَ بدونِهما وقولُه تعالَى:

{ عَلَّمَ ٱلإِنسَـٰنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } بدلُ اشتمالٍ منْ عَلَّمَ بالقلمِ أي علَّمه بهِ وبدونِه منَ الأمورِ الكليةِ والجزئيةِ والجليةِ والخفيةِ مَا لَمْ يخطرُ ببالِه وفي حذفِ المفعولِ أولاً وإيرادِه بعنوانِ عدمِ المعلوميةِ ثانياً من الدلالةِ عَلى كمالِ قُدرتِه تعالى وكمالِ كَرَمِه والإشعارِ بأنَّه تعالى يعلمُه من العلومُ ممَّا لا تحيطُ بِه العقولُ مَا لا يخفى { كَلاَّ } ردعٌ لمن كفرَ بنعمةِ الله تعالى بطغيانِه وإن لم يسبقْ ذكرُهُ للمبالغةِ في الزجرِ وقولُه تعالَى: { إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَيَطْغَىٰ } أيْ ليجاوزُ الحدَّ ويستكبرُ عَلى ربِّه بـيانٌ للمردوعِ والمردوعِ عَنْهُ قيلَ: هَذَا إلى آخرِ السورةِ نزلَ في أبـي جهلٍ بعدَ زمانٍ وهو الظاهرُ وقولُه تعالَى: { أَن رَّءاهُ ٱسْتَغْنَىٰ } مفعولٌ لَهُ أي يطغى لأنْ رَأى نفسَهُ مستغنياً عَلى أنَّ استغنى مفعولٌ ثانٍ لرأى لأنه بمَعْنى علمَ ولذلكَ ساغَ كونُ فاعلِه ومفعولِه ضميريْ واحدٍ كَمَا في علمتني وإن جَوَّزَهُ بعضُهم فِي الرؤيةِ البصريةِ أيضاً وجعلَ منْ ذلك عائشةَ رضيَ الله عَنْها: «لقد رأيتُنا معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وما لَنا طعامٌ إلاَّ الأسودانِ» وتعليلُ طُغيانِه برؤيتهِ لا بنفسِ الاستغناءِ كمَا ينبىءُ عَنْه قولُه تعالَى: { { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِى ٱلأَرْضِ } [سورة الشورى، الآية 27] للإيذانِ بأنَّ مَدَارَ طُغيانهِ عملهُ الفاسدُ. رُويأنَّ أبا جهلٍ قال لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أتزعمُ أنَّ منِ استغنى طغَى فاجعلُ لنَا جبالَ مكةَ فضةً وذهباً لعلنَا نأخذُ منْهَا فنطغَى فندعَ ديننَا ونتبعَ دينكَ فنزلَ عليهِ جبريلُ عليهِ السَّلامُ فقالَ: إن شئْتَ فعلنَا ذلكَ ثُمَّ إنْ لَمْ يُؤمنوا فعلنَا بهمْ مَا فعلنَا بأصحابِ المائدةِ فكفَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الدُّعاءِ إبقاءً عليهمْ.