التفاسير

< >
عرض

جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ
٨
-البينة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ جَزَآؤُهُمْ } بمقابلةِ ما لهُم من الإيمانِ والطاعةِ { عِندَ رَبّهِمْ جَنَّـٰتُ عَدْنٍ * تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } إنْ أُريد بالجنَّاتِ الأشجارُ الملتفةُ الأغصانِ كمَا هو الظاهرُ، فجريانُ الأنهارِ من تحتها ظاهرٌ، وإنْ أُريدَ بها مجموعُ الأرضِ ومَا عليها فهُو باعتبارِ الجزءِ الظاهرِ، وأيّاً ما كانَ فالمرادُ جريانُها بغيرِ أخدودٍ. { خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً } متنعيمنَ بفنونِ النعمِ الجُسمانيةِ والروحانيةِ وفي تقديمِ مدحِهم بخيرية البريةِ وذكرِ الجزاءِ المؤذنِ بكونِ ما مُنحوهُ في مقابلةِ ما وُصفوا بهِ وبـيان كونِه من عندِه تعالَى والتعرضِ لعنوانِ الربوبـيةِ المنبئةِ عن التربـيةِ والتبليغ إلى الكمالِ مع الإضافةِ إلى ضميرِهم وجمعِ الجنَّاتِ وتقيـيدِها بالإضافةِ وبما يزيدُها نعيماً وتأكيداً الخلودِ بالأبودِ من الدلالةِ على غايةِ حُسنِ حالِهم ما لا يَخْفى. { رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ } استئنافٌ مبـينٌ لما يتفضلُ عليهم زيادةً على ما ذُكرَ من أجزيةِ أعمالِهم { وَرَضُواْ عَنْهُ } حيثُ بلغُوا من المطالبِ قاصيتَها وملكُوا من المآربِ ناصيتَها وأُتيحَ لهم ما لا عينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمعتْ ولا خَطَر على قلبِ بشرٍ { ذٰلِكَ } أيْ ما ذُكرَ من الجزاءِ والرضوانِ { لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ } فإنَّ الخشيةَ التي هيَ من خصائصِ العلماءِ بشؤونِ الله عزَّ وجلَّ مناطٌ لجميعِ الكمالاتِ العلميةِ والعمليةِ المستتبعةِ للسعادةِ الدينيةِ والدنيويةِ. والتعرضُ لعُنوانِ الربوبـيةِ المعربةِ عن المالكيةِ والتربـيةِ للإشعارِ بعلَّةِ الخشيةِ والتحذيرِ من الاغترارِ بالتربـيةِ.

عنِ النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: " "مَنْ قرأَ سورةَ البـينةِ كانَ يومَ القيامةِ مع خيرِ البريةِ مساءً ومَقيلاً" .