التفاسير

< >
عرض

بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا
٥
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ
٦
فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ
٧
وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ
٨
-الزلزلة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } أي تحدثُ أخبارَهَا بسببِ إيحاءِ ربِّكَ لَها وَأمْرِهِ إيَّاهَا بالتَّحديثِ عَلَى أَحَدِ الوجهينِ وَيَجُوزُ أَنْ يكُونَ بَدَلاً مِنْ أَخْبَارِهَا كَأنَّه قيلَ: تحدثُ بأخبارِهَا بأَنَّ ربَّكَ أوحى لأَنَّ التحديثَ يستعملُ بالباءِ وبدونِا وأَوْحَى لَها بمعنى أَوْحَى إليَها.

{ يَوْمَئِذٍ } أيْ يومَ إذْ يقعُ ما ذُكِرَ { يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ } من قبورِهم إلى موقفِ الحسابِ { أَشْتَاتاً } متفرقينَ بحسبِ طبقاتِهم بـيضِ الوجوهِ آمنينَ وسودِ الوجوهِ فزعينَ كما مرَّ في قولِه تعالَى فتأتونَ أفواجاٍ وقيلَ: يصدرُون عن الموقفِ أشتاتاً ذاتَ اليمينِ إلى الجنةِ وذاتَ الشمالِ إلى النارِ { لّيُرَوْاْ أَعْمَـٰلَهُمْ } أي أجزيةَ أعمالِهم خيراً كانَ أَوْ شراً وقُرِىءَ ليَروا بالفتحِ وقولُه تعالَى: { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } تفصيلٌ ليرَوا وَقُرِىءَ يُرَه والذرةُ النملةُ الصغيرةُ وَقيلَ ما يُرى في شُعاعِ الشمسِ منَ الهباءِ وَأياً مَا كان فمَعنى ما يعادلُها منْ خيرٍ وشر إما مشاهدةُ جزائِه فَمَنِ الأُولى مختصةٌ بالسُّعداءِ والثانيةُ بالأشقياءِ كيفَ لا وحسناتُ الكافرِ محبطةٌ بالكفرِ وسيئاتُ المؤمنِ المجتنبِ عن الكبائرِ معفوةٌ وما قيلَ: مِنْ أن حسنةَ الكافرِ تؤثرُ في نقصِ العقابِ يردُّه قولُه تعالَى: { { وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً } [سورة الفرقان، الآية 23] وأما مشاهدةُ نفسِه من غيرِ أنْ يعتبرَ مَعَهُ الجزاءُ ولاَ عدمُه بلْ يفوضُ كلٌّ منَهما إلى سائرِ الدلائلِ الناطقةِ بعفوِ صغائرِ المؤمنِ المجتنبِ عنِ الكبائرِ وإثابتِه بجميعِ حسناتِه وبحبوطِ حسناتِ الكافرِ ومعاقبتِه بجميعِ معاصيهِ فالمَعْنى ما رُوِيَ عنِ ابنِ عباسٍ رضيَ الله عنهُما: " "ليسَ منْ مؤمنٍ وَلاَ كافرٍ عملَ خيراً أو شراً إلا أراهُ الله تعالَى إيَّاهُ أما المؤمنُ فيغفرُ له سيئاتِه ويثيبُه بحسناتِه وأما الكافِرُ فيردُّ حسناتِه تحسراً ويعاقبُه بسيئاتِه" "

.عنِ النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: " "مَنْ قرأَ سورةَ إذَا زلزلتْ أربعَ مراتٍ كانَ كمَنْ قرأَ القرآنَ كُلَّه" " والله أعلمُ.