التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
١١
وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٢
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ
١٣
ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ
١٤
-يونس

مقاتل بن سليمان

{ وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ }، وذلك حين قال النضر بن الحارث: { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32] فيصيبنا، فأنزل الله عز وجل: { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ }، إذا أرادوه فأصابوه، يقول الله: ولو استجيب لهم في الشر، كما يحبون أن يستجاب لهم في الخير، { لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } في الدنيا بالهلاك إذاً، { فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا }، فنذرهم لا يخرجون أبداً، فذلك قوله: { فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [آية: 11]، يعني في ضلالتهم يترددون لا يخرجون منها إلا أن يخرجهم الله عز وجل.
وأيضاً ولو يعجل الله للناس، يقول: ابن آدم يدعو لنفسه بالخير، ويحب أن يعجل الله ذلك، ويدعو على نفسه بالشر، يقول: اللهم إن كنت صادقاً فافعل كذا وكذا، فلو يجعل الله ذلك لقضى إليهم أجلهم، يعني العذاب { فَنَذَرُ }، يعني فنترك، { ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا }، يعني لا يخشون لقاءنا، { فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }، يعني في ضلالتهم يترددون لا يخرجون منها.
{ وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ }، يعني المرض بلاء أو شدة، نزلت في أبي حذيفة، اسمه هاشم بن المغيرة بن عبد الله المخزومي، { دَعَانَا لِجَنبِهِ }، يعني لمضجعه في مرضه، { أَوْ } دعانا { قَاعِداً أَوْ قَآئِماً }، كل ذلك لما كان، { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ }، وعوفي من مرضه، { مَرّ }، يعني استمر، أي أعرض عن الدعاء، { كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ }، ولا يزال يدعونا ما احتاج إلى ربه، فإذا أعطى حاجته أمسك عن الدعاء، قال الله تعالى عند ذلك: استغنى عبدى، { كَذٰلِكَ }، يعني هكذا { زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ }، يعني المشركين، { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [آية: 12] من أعمالهم السيئة، يعني الدعاء في الشدة.
{ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ } بالعذاب في الدنيا، { مِن قَبْلِكُمْ } يا أهل مكة، { لَمَّا ظَلَمُواْ }، يعني حين أشركوا، يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لكي لا يكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم: { وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ }، يقول: أخبرتهم رسلهم بالعذاب أنه نازل بهم في الدنيا، ثم قال: { وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ }، يقول: ما كان كفار مكة ليصدقوا بنزول العذاب بهم في الدنيا، { كَذٰلِكَ }، يعني هكذا { نَجْزِي } بالعذاب { ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } [آية: 13]، يعني مشركي الأمم الخالية.
ثم قال لهذه الأمة: { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ } يا أمة محمد، { خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [آية: 14].