التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
١٥
قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٦
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَـٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ
١٧
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
١٨
-يونس

مقاتل بن سليمان

{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ }، يعني القرآن، { قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا }، يعني لا يحسبون لقاءنا، يعني البعث، { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ } ليس فيه قتال، { أَوْ بَدِّلْهُ }، فأنزل الله عز وجل: { قُلْ } يا محمد: { مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [آية: 15].
وذلك أن الوليد بن المغيرة وأصحابه أربعين رجلاً أحدقوا بالنبى صلى الله عليه وسلم ليلة حتى أصبح، فقالوا: يا محمد، اعبد اللات والعزى، ولا ترغب عن دين آبائك، فإن كنت فقيراً جمعنا لكم من أموالنا، وإن كنت خشيت أن تلومك العرب، فقل: إن الله أمرني بذلك، فأنزل الله عز وجل: { قُل } يا محمد:
{ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ... } ، إلى قوله: { ... بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ } ، يعني فوحد، { وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } [الزمر: 64 - 66]، على الرسالة والنبوة.
وأنزل الله عز وجل:
{ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ } ، يعني محمد، فزعم أني أمرته بعبادة اللات والعزى، { لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ } ، يعني بالحق، { ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ } [الحاقة: 44 - 46]، وهو الحبل المعلق به القلب، وأنزل الله تعالى: { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [الأنعام: 15].
ثم قال لكفار مكة، { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ }، يعني ما قرأ هذا القرآن { عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ }، يقول: ولا أشعركم بهذا القرآن { فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً } طويلاً أربعين سنة، { مِّن قَبْلِهِ }، من قبل هذا القرآن، فهل سمعتموني أقرأ شيئاً عليكم؟ { أَفَلاَ }، يعني فهلا { تَعْقِلُونَ } [آية: 16] أنه ليس متقول مني، ولكنه وحي من الله إليَّ.
{ فَمَنْ أَظْلَمُ }، يعني فمن أشد ظلماً لنفسه، { مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً }، فزعم أن مع الله آلهة أخرى، { أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ }، يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم وبدينه، { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ } [آية: 7]، يعني إنه لا ينجي الكافرون من عذاب الله عز وجل.
{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ } إن تركوا عبادتهم، { وَلاَ يَنفَعُهُمْ } إن عبدوها، وذلك أن أهل الطائف عبدوا اللات، وعبد أهل مكة العزى، ومناة، وهبل، وأساف، ونائلة، لقبائل قريش، وود لكلب بدومة الجندل، وسواع لهذيل، ويغوث لبني غطيف من مراد بالجرف من سبأ، ويعوق لهمذان ببلخع، ونسر لذي الكلاع من حمير، قالوا: نعبدها لتشفع لنا يوم القيامة، فذلك قوله: { وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [آية: 18].