التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
٩٣
فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ
٩٤
وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٩٥
إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ
٩٦
وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ
٩٧
فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ
٩٨
وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ
٩٩
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ
١٠٠
-يونس

مقاتل بن سليمان

{ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا }، يعني أنزلنا { بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ }، منزل صدق، وهو بيت المقدس، { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ }، يعني المطر والنبت، { فَمَا ٱخْتَلَفُواْ }، يعني أهل التوراة والإنجيل في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، { حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ }، حتى بعثه الله عز وجل، فلما بعث كفروا به وحسدوه، { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }{ آية: 93].
{ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ } يا محمد { مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ }، عبد الله بن سلام وأصحابه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك:
"لا أشك، ولا أسأل بعد، أشهد أنه الحق من عند الله" ، { لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [آية: 94]، يعني من المشركين في القرآن بأنه جاء من الله تعالى.
ثم حذر النبي صلى الله عليه وسلم وأوعز إليه حين قالوا: إنما يلقنه الري على لسانه، فقال: { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ }، يعني القرآن كما كذب به كفار مكة، { فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [آية: 95].
ثم قال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ }، يعني وجبت عليهم كلمة العذاب، يقول: أي سبقت لهم الشقاوة من الله عز وجل في علمه، { لاَ يُؤْمِنُونَ } [آية، 96]، يعني لا يصدقون.
{ وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [آية: 97] كما سألوا في بني إسرائيل
{ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً... } [الإسراء: 90 - 93] إلى آخر الآيات، وكقوله: { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ } [هود: 116] قال: كل شىء في القرآن فلولا: فهلا، إلا ما في يونس وهود.
{ فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا } الإيمان عند نزول العذاب، { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ }، يعني صدقوا وتابوا، وذلك أن قوم يونس، عليه السلام، لما نظروا إلى العذاب فوق رءوسهم على قدر ميل، وهم في قرية تسمى نينوى من أرض الموصل تابوا، فلبس المسوح بعضهم، ونثروا الرماد على رءوسهم، وعزلوا الأمهات من الأولاد، والنساء من الأزواج، ثم عجوا إلى الله، فكشف الله عنهم العذاب، { كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } [آية: 98]، إلى منتهى آجالهم، فأخبرهم يا محمد أن التوبة لا تنفعهم عند نزول العذاب.
{ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [آية: 99]، هذا منسوخ، نسختها آية السيف في براءة.
ثم دل على نفسه بصنعه ليعتبروا فيوحدوه، فقال: { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ }، يعني أن تصدق بتوحيد الله حتى يأذن الله في ذلك، { وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ }، يعني الإثم، { عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } [آية: 100].