التفاسير

< >
عرض

أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ
١
حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ
٢
كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ
٣
ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ
٤
كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ
٥
لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ
٦
ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ
٧
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ
٨
-التكاثر

مقاتل بن سليمان

{ أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } [آية: 1] يعني شغلكم التكاثر، وذلك أن حيين من قريش من بني عبد مناف بن قصى، وبنى سهم بن عمرو بن مرة بن كعب، كان بينهم لحاء فافتخروا، فعتادى السادة والأشراف، فقال: بنو عبد مناف: نحن أكثر سيداً، وأعز عزيزاً، وأعظم شرفاً، وأمنع جانباً، وأكثر عدداً، فقال بنو سهم لبنى عبد مناف: مثل ذلك فكاثرهم بنو عبد مناف بالأحياء، ثم قالوا: تعالوا نعد أمواتنا، حتى أتوا المقابر يعدونهم، فقالوا: هذا قبر فلان، وهذا قبر فلان، فعد هؤلاء وهؤلاء موتاهم، فكاثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات، لأنهم كانوا أكثر عدداً في الجاهلية من بني عبد مناف، فأنزل الله في الحيين { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } يقول: شغلكم التكاثر عن ذكر الآخرة، فلم تزالوا كذلك { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } [آية: 2] كلكم يقول: إلى أن أتيتم المقابر.
ثم أوعدهم الله عز وجل، فقال: { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } [آية: 3] هذا وعيد ما نحن فاعلون بذلك إذا نزل بكم الموت، ثم قال: { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } [آية: 4] وهو وعيد: إذا دخلتم قبوركم، ثم قال: { كَلاَّ } لا يؤمنون بالوعيد، ثم استأنف، فقال: { لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } [آية: 5] لا شك فيه { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } [آية: 6] لعلمتم أنكم سترون الجحيم في الآخرة { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } [آية: 7] لا شك فيه، يقول: لترون الجحيم في الآخرة معاينة، والجحيم ما عظم من النار، يقينها رؤية العين، سنعذبهم مرتين، مرة عند الموت، ومرة عند القبر، ثم يردون إلى عذاب عظيم.
{ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ } في الآخرة { يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } [آية: 8] يعني كفار مكة كانوا في الدنيا في الخير والنعمة، فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه، وأيضاً، فذلك قوله:
{ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } [الأحقاف: 20]، وقال: { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ }، وذلك أن الله عز وجل إذا جمع الكفار في النار صرخوا: يا مالك، أضجت لحومنا، وأحرقت جلودنا، وجاعت وأعطشت أفواهنا، وأهلكت أبداننا، فهل إلى خروج يوم واحد من سبيل من النار، فيرد عليهم مالك يقول: لا، قالوا: ساعة من النهار، قال: لا، قالوا: فردنا إلى الدنيا، فنعمل غير الذي كنا نعمل، قال: فينادى مالك، خازن النار، بصوت غليظ جهير، قال: فإذا نادى حسرت النار من فوقه، وسكن أهلها، فيقول: أبشروا فيرجون أن تكون عافية قد أتتهم، ثم يناديهم، يا أهل النار، فيقولون: لبيك، فيقول: يا أهل البلاء، فيقولون: لبيك، فيقول: { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ } [الأحقاف: 20]، يا أهل الفرش والوسائد والنعمة في دار الدنيا، كيف تجدون مس سقر؟ قالوا: يأتينا العذاب من كل مكان، فهل إلى أن نموت ونستريح، قال: فيقول: وعزة ربي لا أزيدكم إلا عذاباً، قال: فذلك قوله: { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ }، يعني الشكر للنعيم الذي أعطاه الله عز جل، فلم يهتد ولم يشكر، يعني الكافر.