التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٢٥
أَن لاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ
٢٦
فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ
٢٧
قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيۤ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ
٢٨
وَيٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّلاَقُواْ رَبِّهِمْ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ
٢٩
وَيٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ
٣٠
وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِيۤ أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْراً ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِيۤ أَنْفُسِهِمْ إِنِّيۤ إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ
٣١
قَالُواْ يٰنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ
٣٢
قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ
٣٣
وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٣٤
أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ
٣٥
-هود

مقاتل بن سليمان

ولما كذب كفار مكة محمداً بالرسالة، أخبر الله محمداً، عليه السلام، أنه أرسله رسولاً كما أرسل نوحاً، وهوداً، وصالحاً، ولوطاً، وشعيباً، في هذه السورة، فقال: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ }، فقال لهم:{ إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ } من العذاب في الدنيا، { مُّبِينٌ } [آية: 25]، يعني بين، نظيرها في سورة نوح.
ثم قال: { أَن لاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ } في الدنيا، { عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ } [آية: 26]، يعني وجيع.
{ فَقَالَ ٱلْمَلأُ } الأشراف { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا }، يعني إلا آدمياً مثلنا لا تفضلنا بشىء، { وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا }، يعني الرذالة من الناس السفلة، { بَادِيَ ٱلرَّأْيِ }، يعني بدا لنا أنهم سفلتنا، { وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } في ملك ولا مال ولا شيء فنتبعك، يعنون نوحاً، { بَلْ نَظُنُّكُمْ }، يعني نحسبك من الـ{ كَاذِبِينَ } [آية: 27] حين تزعم أنك رسول نبي.
{ قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيۤ }، يعني بيان من ربي، { وَآتَانِي رَحْمَةً }، يعني وأعطاني نعمة، { مِّنْ عِندِهِ }، وهو الهدى، { فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ }، يعني فخفيت عليكم الرحمة، { أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا }، يعني الرحمة، وهي النعمة والهدى، { كَارِهُونَ } [آية: 28].
{ وَيٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً }، يعني جُعلاً على الإيمان، { إِنْ أَجْرِيَ }، يعني ما جزائى، { إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ } في الآخرة، { وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ }، يعني وما أنا بالذي لا أقبل الإيمان من السفلة عندكم، ثم قال: { إِنَّهُمْ مُّلاَقُو رَبِّهِمْ }، فيجزئهم بإيمانهم، كقوله:
{ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ } [الشعراء: 113]، يعني لو تعلمون إذا لقوه، { وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } [آية: 29]ما آمركم به، وما جئت به.
{ وَيٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِي } يمنعني { مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ }، يعني إن لم أقبل منهم الإيمان، أي من السفلة، { أَفَلاَ }، يعني أفهلا { تَذَكَّرُونَ } [آية: 30] أنه لا مانع لأحد من الله.
{ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ }، يعني مفاتيح الله بأنه يهدي السفلة دونكم، { وَلاَ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ }، يقول: ولا أقول لكم عندي غيب ذلك إن الله يهديهم، وذلك قول نوح في الشعراء:
{ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الشعراء: 112]، ثم قال لهم نوح: { وَلاَ أَقُولُ } لكم { إِنِّي مَلَكٌ } من الملائكة، إنما أنا بشر، لقولهم: { مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا... } [هود: 27] إلى آخر الآية.
{ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِيۤ أَعْيُنُكُمْ }، يعني السفلة، { لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْراً }، يعني إيماناً، وإن كانوا عندكم سفلة، { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ }، يعني بما في قلوبهم، يعني السفلة من الإيمان، قال نوح: { إِنِّيۤ إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [آية: 31] إن لم أقبل منهم الإيمان.
{ قَالُواْ يٰنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا }، يعني ماريتنا، { فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا }، يعني مراءنا، { فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ } من العذاب، { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [آية: 32] بأن العذاب نازل بنا، لقوله في هذه الآية الأولى: { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيم } [هود: 26].
وذلك أن الله أمر نوحاً أن ينذرهم العذاب في سورة نوح فكذبوه، فقالوا: { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ }، بأن العذاب نازل بنا، فرد عليهم نوح: { قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ }، وليس ذلك بيدى، { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } [آية: 33]، يعني بسابقي الله بأعمالكم الخبثة حتى يجزيكم بها.
{ وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ } فيما أحذركم من العذاب، { إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ }، يعني يضلكم عن الهدى، فـ{ هُوَ رَبُّكُمْ }، ليس له شريك { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [آية: 34] بعد الموت، فيجزيكم بأعمالكم.
ثم ذكر الله تعالى كفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم من أهل مكة؛ فقال: { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ }، نظيرها في حم الزخرف:
{ أمْ أَنَآ خَيْرٌ } ، يعني بل أنا خير { مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ } [الزخرف: 52].
{ ٱفْتَرَاهُ }، قالوا: محمد يقول هذا القرآن من تلقاء نفسه، وليس من الله، { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ } يعني تقولته من تلقاء نفسي، { فَعَلَيَّ إِجْرَامِي }، فعلي خطيئتي بافترائي على الله، { وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ } [آية: 35]، يعني بريء من خطاياكم، يعني كفركم بالله عز وجل.