التفاسير

< >
عرض

وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ
٨٤
وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ
٨٥
بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ
٨٦
قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ
٨٧
قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيۤ إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
٨٨
وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ
٨٩
وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ
٩٠
-هود

مقاتل بن سليمان

قوله: { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ }، وهو ابن إباراهيم خليل الرحمن، وشعيب بن نويب بن مدين بن إبراهيم، { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ }، يعني أرسلنا، { أَخَاهُمْ شُعَيْباً }، وليس بأخيهم في الدين، ولكن في النسب، { قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ }، يعني وحدوا الله، { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ }، يقول: ليس لكم رب غيره، { وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ } إذا كلتم ووزنتم، { إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ }، يعني موسرين في نعمة، { وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ }، في الدنيا، { عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } [آية: 84]، يعني أحاط بهم العذاب، فلم ينج منهم أحد.
{ وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ }، يعني بالعدل، { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ }، يعني ولا تنقصوا الناس حقوقهم، { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } [آية: 85]، يقول: لا تعملوا فيها المعاصي، يعني بالفساد نقصان الكيل والميزان.
{ بَقِيَّةُ ٱللَّهِ }، يعني ثواب الله في الآخرة، { خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }، يعني لو كنتم مؤمنين بالله عز وجل، لكان ثوابه خير لكم من نقصان الكيل والميزان، كقوله:
{ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ } [النحل: 96]، يعني ثوابه باق، { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ }، يعني على أعمالكم { بِحَفِيظٍ } [آية: 86]، يعني برقيب، والله الحافظ لأعمالكم. { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَوَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ }، يعني أن نعتزل { مَا } كان { يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ }، وكانوا يعبدون الأوثان، { أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ }، يعنون إن شئنا نقصنا الكيل والميزان، وإن شئنا وفينا، { إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ }، يعنون السفيه، { ٱلرَّشِيدُ } [آية: 87]، يعنون الضال، قالوا ذلك لشعيب استهزاء.
{ قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً }، يعني الإيمان، وهو الهدى، { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ }، يعني وما أريد أن أنهاكم عن أمر، ثم أركبه، لقولهم لشعيب في الأعراف:
{ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } [الأعراف: 88].
ثم قال: { إِنْ أُرِيدُ }، يعني ما أريد { إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيۤ } في الإصلاح بالخير { إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ }، يقول: به وثقت، لقولهم:
{ لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ } [الأعراف: 88]، { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [آية: 88]، وإليه المرجع بعد الموت.
{ وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ }، يقول: لا تحملنكم عداوتي { أَن يُصِيبَكُم } من العذاب في الدنيا { مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ } من الغرق، { أَوْ قَوْمَ هُودٍ } من الريح، { أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ } من الصيحة، { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ }، أي ما أصابهم من الخسف والحصب { مِّنكُم بِبَعِيدٍ } [آية: 89]، كان عذاب قوم لوط أقرب العذاب إلى قوم شعيب من غيرهم.
{ وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } من الشرك، { ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } منها { إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ } لمن تاب وأطاعه، { وَدُودٌ } [آية: 90]، يعني مجيب.