التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ
١٢
وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ
١٣
لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ
١٤
-الرعد

مقاتل بن سليمان

{ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً }، للمسافر من الصواعق، { وَطَمَعاً } للمزارع المقيم في رحمته، يعني المطر، { وَيُنْشِىءُ }، يعني ويخلق، مثل قوله: { وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ } [الرحمن: 24]، يعني المخلوقات، { ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ } [آية: 12] من الماء.
{ وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ }، يقول: ويذكر الرعد بأمره يحمده، والرعد ملك من الملائكة اسمه الرعد، وهو موكل بالسحاب، صوته تسبيحه، يزجر السحاب ويؤلف بعضه إلى بعض، ويسوقه بتسبيحه إلى الأرض التي أمر الله تعالى أن تمطر فيها، ثم قال: { وَ } تسبح { وَٱلْمَلاَئِكَةُ } بزجرته { مِنْ خِيفَتِهِ }، يعني من مخافة الله تعالى، فميز بين الملائكة وبين الرعد، وهما سواء، كما ميز بين جبريل وميكائيل في البقرة، وكما ميز بين الفاكهة، وبين النخل والرمان وهما سواء.
ثم قال: { وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ }، هذا أنزل في أمر عامر، والأربد بن قيس، حين أراد قتل النبى صلى الله عليه وسلم، وذلك أن عامر بن الطفيل العامري دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أسلم على أن لك المدر ولي الوبر؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
"إنما أنت امرؤ من المسلمين، لك ما لهم، وعليك ما عليهم" ، قال: فلك الوبر ولي المدر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، قال: فلي الأمرين من بعدك، قال له النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله الأول: "لك ما لهم، وعليك ما عليهم" ، فغضب عامر، فقال: لأملانها عليك خيلاً، ورجالاً، ألف أشقر، عليها ألف أمرد.
ثم خرج مغضباً، فلقي ابن عمه أربد بن قيس العامرى، فقال عامر لأربد: ادخل بنا على محمد، فألهيه في الكلام، وأنا أقتله، وإن شئت ألهيته بالكلام وقتلته أنت، قال أربد: ألهه أنت وأنا أقتله، فدخلا على النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحدثه وهو ينظر إلى أربد متى يحمل عليه فيقتله، ثم طال مجلسه، فقام عامر وأربد فخرجا، فقال عامر لأربد: ما منعك من قتله؟ قال: كلما أردت قتله وجدتك تحول بيني وبينه، وأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بم أرادا، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهما، فقال:
"اللهم اكفنى عامراً وأربداً، واهد بني عامر" ، فأما أربد، فأصابته صاعقة فمات، فذلك قوله تعالى: { وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ } { فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ }، يعني أربد بن قيس، { وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي ٱللَّهِ }، يعني يخاصمون في الله.
وذلك أن عامراً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن ربك، أهو من ذهب، أو من فضة، أو من نحاس، أو من حديد، أو ما هو؟ فهذا القول خصومته، فأنزل الله تعالى:
{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [سورة الإخلاص]، يقول: ليس هو من نحاس ولا من غيره، وسلط الله عليه الطاعون في بيت امرأة من بني سلول، فجعل يقول: عامر قتيل بغير سلاح، غدة كغدة البعير، وموت في بيت سلولية، أبرز يا ملك الموت حتى أقاتلك، فذلك قوله: { وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ } [آية: 13]، يعني الرب تعالى نفسه، يعني شديد الأخذ إذا أخذ، نزلت في عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس.
{ لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ }، يعني كلمة الإخلاص، { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ }، يعني والذين يعبدون من دون الله من الآلهة، وهي الأصنام، { لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ }، يقول: لا تجيب الآلهة من يعبدها ولا تنفعهم، كما لا ينفع العطشان الماء يبسط يده إلى الماء وهو على شفير بئر، يدعوه أن يرتفع إلى فيه، { لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ }، حتى يموت من العطش، فكذلك لا تجيب الأصنام، ثم قال: فادعوا، يعني فادعوا الأصنام، { وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ }، يعني وما عبادة الكافرين، { إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } [آية: 14] يعني خسران وباطل.