قال سبحانه: { وَبَرَزُواْ للَّهِ جَمِيعاً }، يقول: وخرجوا من قبورهم إلى الله جميعاً، يعني بالجميع أنه لم يغادر منهم أحد إلا بعث بعد موته، { فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ }، وهم الأتباع من كفار بني آدم، { لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ }، يعني للذين تكبروا عن الإيمان بالله عز وجل، وهو التوحيد، وهم الكبراء في الشرف والغنى القادة، { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } لدينكم في الدنيا، { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا } معشر الكبراء، { مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ }، باتباعنا إياكم.
{ قَالُواْ }، يعني قالت الكبراء للضعفاء، { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ }، ذلك أن أهل النار قال بعضهم لبعض: تعالوا نجزع من العذاب، لعل ربنا يرحمنا، فجزعوا مقدار خمسمائة عام، فلم يغن عنهم الجزع شيئاً، ثم قالوا: تعالوا نصبر لعل الله يرحمنا، فصبروا مقدار خمسمائة عام، فلم يغن عنهم الصبر شيئاً، فقالوا عند ذلك: { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ } { أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } [آية: 21]، من مهرب عنها.
{ وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ }، يعني إبليس، { لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ }، يعني حين قضى العذاب، وذلك أن إبليس لما دخل هو ومن معه على أثره النار، قام خطيباً في النار، فقال: يا أهل النار: { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ } على ألسنة الرسل، { وَعْدَ ٱلْحَقِّ }، يعني وعد الصدق أن هذا اليوم كائن { وَوَعَدتُّكُمْ } أنه ليس بكائن، { فَأَخْلَفْتُكُمْ } الوعد، { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ }، يعني من ملك في الشرك، فأكرهكم على متابعتي، يعني على دينى، إلا في الدعاء.
فذلك قوله عز وجل: { إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ }، يعني إلا أن زينت لكم، { فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي } بالطاعة وتركتم طاعة ربكم، { فَلاَ تَلُومُونِي } باتباعكم إياي، { وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } بترككم أمر ربكم، { مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ }، يقول: ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثي، { إِنِّي كَفَرْتُ }، يقول: تبرأت اليوم { بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ } مع الله في الطاعة، { مِن قَبْلُ } في الدنيا، { إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ }، يعني إن المشركين، { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [آية: 22]، يعني وجيع.