التفاسير

< >
عرض

إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
٩٩
إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ
١٠٠
وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
١٠١
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ
١٠٢
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ
١٠٣
-النحل

مقاتل بن سليمان

{ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ }، يعني ملك، { عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } في علم الله في الشرك فيضلهم عن الهدى، { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [آية: 99]، يقول: بالله يتقون.
{ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ }، يعني ملكه، { عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ }، يعني يتبعونه على أمره، فيضلهم عن دينهم الإسلام، { وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ }، يعني بالله، { مُشْرِكُونَ } [آية: 100]، كقوله سبحانه:
{ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } [إبراهيم: 22] من ملك يعني إبليس على أمره.
قوله عز وجل: { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ }، يعني وإذا حولنا آية فيها شدة فنسخناها وجئنا مكانها بغيرها ألين منها، { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ } من التبديل من غيره، { قَالُوۤاْ }، قال كفار مكة للنبى صلى الله عليه وسلم: { إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ }، يعني متقول على الله الكذب من تلقاء نفسك، قلت كذا وكذا، ثم نقضته وجئت بغيره. { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [آية: 101] أن الله أنزله، فإنك لا تقول إلا ما قد قيل لك.
{ قُلْ } يا محمد لكفار مكة: هذا القرآن، { نَزَّلَهُ } على { رُوحُ ٱلْقُدُسِ }، يعني جبريل، عليه السلام، { مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ }، لم ينزله باطلاً، { لِيُثَبِّت }، يعني ليستيقن، { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ }، يعني صدقوا بما في القرآن من الثواب، { وَهُدًى } من الضلالة، { وَبُشْرَىٰ } لما فيه من الرحمة، { لِلْمُسْلِمِينَ } [آية: 102]، يعني المخلصين بالتوحيد، وأنزل الله عز وجل:
{ يَمْحُو ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } [الرعد: 39] من القرآن، { وَيُثْبِتُ }، فينسخه ويثبت الناسخ، { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } [الرعد: 39].
{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ }،وذلك أن غلاماً لعامر بن الحضرمي القرشى يهودياً أعجمياً، كان يتكلم بالرومية يسمى يسار، ويكنى أبا فكيهة، كان كفار مكة إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يحدثه، قالوا: إنما يعلمه يسار أبو فكيهة، فأنزل الله تعالى: { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ }، ثم أخبر عن كذبهم، فقال سبحانه: { لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ }، يعني يميلون، كقوله سبحانه:
{ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ } [الحج: 25]، يعني يميل، { أَعْجَمِيٌّ } رومي، يعني أبا فكيهة، { وَهَـٰذَا } القرآن، { لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [آية: 103]، يعني بين يعقلونه، نظيرها في حم السجدة قوله سبحانه: { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } [فصلت: 44]، لقالوا: محمد صلى الله عليه وسلم عربي، والقرآن أعجمي، فذلك قوله سبحانه: { قُرْآناً أعْجَمِيّاً } إلى آخر الآية.
فضربه سيده، فقال: إنك تعلم محمداً صلى الله عليه وسلم، فقال أبو فكيهة: بل هو يعلمني، فأنزل الله عز وجل في قولهم:
{ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } [الشعراء: 192 - 193]؛ لقولهم: إنما يعلم محمداً صلى الله عليه وسلم يسار أبو فكيهة.