التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
٩٠
وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ
٩١
وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
٩٢
وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
٩٣
-النحل

مقاتل بن سليمان

{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ } بالتوحيد، { وَٱلإحْسَانِ }، يعنىالعفو عن الناس، { وَإِيتَآءِ }، يعني وإعطاء، { ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } المال، يعني صلة قرابة الرجل، كقوله: { وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ } [الإسراء: 26]، يعني صلته، ثم قال سبحانه: { وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ } يعني المعاصي، { وَٱلْمُنْكَرِ }، يعني الشرك وما لا يعرف من القول، { وَٱلْبَغْيِ }، يعني ظلم الناس، { يَعِظُكُمْ } يعني يؤدبكم، { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [آية: 90]، يعني لكي تذكروا فتتأدبوا.
لما نزلت هذه الآية بمكة، قال أبو طالب بن عبد المطلب: يا آل غالب، اتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم تفلحوا وترشدوا، والله إن ابن أخي ليأمر بمكارم الأخلاق، وبالأمر الحسن، ولا يأمر إلا بحسن الأخلاق، والله لئن كان محمد صلى الله عليه وسلم صادقاً أو كاذباً، ما يدعوكم إلا إلى الخير، فبلغ ذلك الوليد بن المغيرة، فقال: إن كان محمد صلى الله عليه وسلم قاله، فنعم ما قال، وإن إلهه قاله، فنعم ما قال، فأتنا بلسانه، ولم يصدق محمداً صلى الله عليه وسلم بما جاء به ولم يتبعه، فنزلت:
{ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً } [النجم: 33، 34] بلسانه { وَأَكْدَىٰ } [النجم: 34]، يعني وقطع ذلك.
ثم قال عز وجل: { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا }، يقول: لا تنقضوا الأيمان بعد تشديدها وتغليظها، { وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً }، يعني شهيداً في وفاء العهد، { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } [آية: 91] في الوفاء والنقض.
ثم ضرب مثلاً لمن ينقض العهد، فقال سبحانه: { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا }، يعني امرأة من قريش حمقاء مصاحبة أسلمت بمكة تسمى ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وسميت جعرانة لحماقتها، وكانت إذا غزلت الشعر أو الكتان نقضته، قال الله عز وجل: لا تنقضوا العهود بعد توكيدها، كما نقضت المرأة الحمقاء غزلها، { مِن بَعْدِ قُوَّةٍ }، من بعد ما أبرمته، { أَنكَاثاً }، يعني نقضاً، فلا هي تركت الغزل فينتفع به، ولا هى كفت عن العمل، فذلك الذي يعطي العهد، ثم ينقضه، لا هو حين أعطى العهد وفى به، ولا هو ترك العهد فلم يعطه، { مِن بَعْدِ قُوَّةٍ }، يعني من بعد جدة، ولم يأثم بربه.
ثم قال سبحانه: { تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ }، يعني العهد، { دَخَلاً بَيْنَكُمْ }، يعني مكراً وخديعة يستحل بها نقض العهد، { أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ }، يعني إنما يبتليكم الله بالكثرة، { وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ }، يعني من لا يفى بالعهد، يعني وليحكمن بينكم، { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ } من الدين، { تَخْتَلِفُونَ } [آية: 92].
ثم قال سبحانه: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً }، يعني على ملة الإسلام، { وَلـٰكِن يُضِلُّ } عن الإسلام، { مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي } إلى الإسلام، { مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنَّ } يوم القيامة { عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [آية: 93] في الدنيا.