التفاسير

< >
عرض

فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً
٥٩
إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً
٦٠
جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً
٦١
لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً
٦٢
تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً
٦٣
وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً
٦٤
رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً
٦٥
وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً
٦٦
-مريم

مقاتل بن سليمان

{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ }، يعني من بعد النبيين خلف السوء، يعني اليهود، فهذا مثل ضربه الله عز وجل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تكونواخلف السوء مثل اليهود، ثم نعتهم، فقال سبحانه: { أَضَاعُواْ ٱلصَّلاَةَ }، يعني أخروها عن مواقيتها، { وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَاتِ }، يعني الذين استحلوا تزويج بنت الأخت من الأب، نظيرها في النساء: { { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ } [النساء: 27]، يعني الزنا، { فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } [آية: 59] في الآخرة، وهو واد في جهنم.
{ إِلاَّ مَن تَابَ } من الشرك، { وَآمَنَ } بمحمد صلى الله عليه وسلم، يعني وصدق بتوحيد الله عز وجل، { وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ }، يعني ولا ينقضون { شَيْئاً } [آية: 60] من أعمالهم الحسنة حتى يجازوا بها، فيجزيهم ربهم.
{ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ } المؤمنين على ألسنة الرسل في الدنيا، { بِٱلْغَيْبِ } ولم يروه، { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } [آية: 61]، يعني جائياً لا خلف له.
{ لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا }، يعني في الجنة، { لَغْواً }، يعني الحلف إذا شربوا الخمر، يعني لا يحلفون كما يحلف أهل الدنيا إذا شربوا، نظيرها في الواقعة، وفى الصافات، ثم قال: { إِلاَّ سَلاَماً }، يعني سلام الملائكة عليهم فيها، { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } [آية: 62]، يعني بالرزق الفاكهة على مقدار طرفي النهار في الدنيا.
ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه: { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } [آية: 63]، يعني مخلصاً لله عز وجل.
{ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ }، وذلك
"أن جبريل، عليه السلام، احتبس على النبي صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً، ويقال: ثلاثة أيام، فقال مشركو مكة: قد ودعه ربه وقلاه، فلما نزل جبريل، عليه السلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا جبريل، ما جئت حتى اشتقت إليك، قال: وأنا إليك كنت أشد شوقاً" ، ونزل في قولهم: { وَٱلضُّحَىٰ وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ... } [سورة: الضحى }، { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [الشرح] جميعاً، وقال جبريل، عليه السلام: { وَمَا نَتَنَزَّلُ } من السماء، { إِلاَّ بأَمْرِ رَبِّكَ }، { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا } من أمر الآخرة، { وَمَا خَلْفَنَا } من أمر الدنيا، { وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ }، يعني ما بين الدنيا والآخرة، يعني ما بين النفختين، { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } [آية: 64] لقول كفار مكة: نسيه ربه وقلاه.
يقول: لم ينسك ربك يا محمد، { رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ }، يعني والأرضين، { وَمَا بَيْنَهُمَا } من الخلق، { فَٱعْبُدْهُ }، يعني فوحده، { وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ }، يقول: واصبر على توحيد الله عز وجل ولا تعجل حتى يأتيك أمري، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [آية: 65]، يقول جل جلاله: هل تعلم من الآلهة من شىء اسمه الله عز وجل؛ لأن الله تعالى ذكره يمنعهم من ذلك.
{ وَيَقُولُ ٱلإِنْسَانُ }، وهو أبي بن خلف الجمحي: { أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } [آية: 66] من الأرض بعد الموت، يقول ذلك تكذيباً بالبعث.