التفاسير

< >
عرض

وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
١٩٦
ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ
١٩٧
-البقرة

مقاتل بن سليمان

{ وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ } من المواقيت، ولا تستحلوا فيهما ما لا ينبغى لكم، فريضتان واجبتان، ويقال: العمرة هى الحج الأصغر، وتمام الحج والعمرة المواقيت والإحرام خالصاً لا يخالطه شىء من أمر الدنيا، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يشركون فى إحرامهم، فأمر الله عز وجل النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن يتوهما لله، فقال: { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ }، وهو ألا يخالطوهما بشىء، ثم خوفهم أن يستحلوا منهما ما لا ينبغى، فقال سبحانه فى آخر الآية: { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ }، يقول: فإن حبستم كقوله سبحانه: { ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [البقرة: 273]، يعنى حبسوا، نظيرها أيضاً: { { وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً } [الإسراء: 8]، يعنى محبساً.
يقول: إن حبسكم فى إحرامكم بحج أو بعمرة كسر أو مرض أو عدو عن المسجد الحرام، { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ }، يعنى فليقم محرماً مكانه ويبعث ما استيسر من الهدي أو بثمن الهدي، فيشتري له الهدي، فإذا نحر الهدي عنه، فإنه يحل من إحرامه مكانه، ثم قال: { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ } فى الإحرام، { حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ }، يعنى حتى يدخل الهدي مكة، فإذا نحر الهدي حل من إحرامه، { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً }، وذلك
" أن كعب بن عجرة الأنصارى كان محرماً بعمرة عام الحديبية، فرأى النبى صلى الله عليه وسلم على مقدم رأسه قملاً كثيراً، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:يا كعب، أيؤذيك هوام رأسك؟، قال: نعم يا نبى الله، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق" ، فأنزل الله عز وجل فى كعب: { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً } { أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ }، فحلق رأسه، { فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ }، فعليه فدية صيام ثلاثة أيام إن شاء متتابعاً، وإن شاء متقطعاً، { أَوْ صَدَقَةٍ } على سنة مساكين لكل مسكين نصف صاع من حنطة، { أَوْ نُسُكٍ }، يعنى شاة أو بقرة أو بعيراً ينحره، ثم يطعمه المساكين بمكة، ولا يأكل منه، وهو بالخيار، إن شاء ذبح شاة أو بقرة أو بعيراً، فأما كعب، فذبح بقرة.
{ فَإِذَآ أَمِنتُمْ } من الحبس من العدو عن البيت الحرام، { فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ }، يقول: وهو يريد الحج، فإن دخل مكة وهو محرم بعمرة فى غرة شوال، أو ذى القعدة، أو فى عشر من ذى الحجة، { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ }، يعنى شاة فما فوقها يذبحها فيأكل منها ويطعم، فقال أبو هريرة، وسلمان، وأبو العرباض للنبى صلى الله عليه وسلم: إنا لا نجد الهدي، فلنصم ثلاثة أيام، فأنزل الله عز وجل فيهم: { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } الهدي فليصم، { فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ } فى عشر الأضحى فى أول يوم من العشر إلى يوم عرفة، فإن كان يوم عرفة يوم الثالث، تم صومه، ثم قال: { وَسَبْعَةٍ }، يعني ولتصوموا سبعة أيام { إِذَا رَجَعْتُمْ } من منى إلى أهليكم، { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ }، فمن شاء صام فى الطريق، ومن شاء صام فى أهله، إن شاء متتابعاً، وإن شاء متقطعاً، ثم قال: { ذٰلِكَ } التمتع { لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [آية:196]، يعنى من لم يكن منزله فى أرض الحرم كله، فمن كان أهله فى أرض الحرم، فلا متعة عليه ولا صوم.
ثم قال عز وجل: { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ }، يقول: من أحرم بالحج، فليحرم فى شوال، أو فى ذى القعدة، أو فى عشر ذى الحجة، فمن أحرم فى سوى هذه الأشهر، فقد أخطأ السنة، وليجعلها عمرة، ثم قال: { فَمَن فَرَضَ }، يقول: فمن أحرم { فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ } أى الحج، { فَلاَ رَفَثَ }، يعنى فلا جماع، كقوله سبحانه:
{ { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ } يعنى الجماع { { إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ } [البقرة: 187] { وَلاَ فُسُوقَ }، يعنى ولا سباب، { وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ }، يعنى ولا مراء، كقوله سبحانه: { { مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ } [غافر: 4]، يعنى ما يمارى حتى يغضب وهو محرم، أو يغضب صاحبه وهو محرم، فمن فعل ذلك فليطعم مسكيناً، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر فى حجة الوداع، فقال: "من لم يكن معه هدي فليحل من إحرامه، وليجعلها عمرة" ، فقالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: إنا أهللنا بالحج، فذلك جدالهم للنبى صلى الله عليه وسلم.
ثم قال عز وجل: { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ }، يعنى مما نهى من ترك الرفث والفسوق والجدال، { يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ }، فيجزيكم به، ثم قال عز وجل: { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ }، وذلك أن ناساً من أهل اليمن وغيرهم كانوا يحجون بغير زاد، وكانوا يصيبون من أهل الطريق ظلماً، فأنزل الله عز وجل: { وَتَزَوَّدُواْ } من الطعام ما تكفون به وجوهكم عن الناس وطلبهم، وخير الزاد التقوى، يقول الله تبارك اسمه: التقوى خير زاد من غيره، ولا تظلمون من تمرون عليه، { وَٱتَّقُونِ } ولا تعصون { يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [آية: 197]، يعنى يا أهل اللب والعقل، فلما نزلت هذه الآية قال النبى صلى الله عليه وسلم:
"تزودوا ما تكفون به وجوهكم عن الناس، وخير ما تزودتم التقوى" .